(6 - كتاب الصيام) (2 - فصل مبطلات الصوم)
(6 - كتاب الصيام)
(2 - فصل مبطلات الصوم)
[يبطل الصوم بالأكل والشرب عمدا] :
(يبطل بالأكل والشرب) عمدا، لا خلاف في ذلك، وأما مع النسيان؛ فلا؛ لما في " الصحيحين " وغيرهما من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من نسي وهو صائم، فأكل وشرب؛ فليتم صومه؛ فإنما الله أطعمه وسقاه ".
وفي لفظ للدارقطني بإسناد صحيح: " فإنما هو رزق ساقه الله إليه، ولا قضاء عليه ".
وفي لفظ آخر للدارقطني، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم: " من أفطر يوما من رمضان ناسيا؛ فلا قضاء عليه ولا كفارة "؛ وإسناده صحيح أيضا؛ قاله الحافظ ابن حجر (1) .
وأخرج الدارقطني من حديث أبي سعيد مرفوعا: " من أكل في شهر رمضان ناسيا؛ فلا قضاء عليه ".
قال ابن حجر: وإسناده وإن كان ضعيفا؛ لكنه صالح للمتابعة، فأقل درجات هذا الحديث بهذه الزيادة أن يكون حسنا، فيصلح للاحتجاج به. انتهى.
وقد ذهب إلى العمل بهذا: الجمهور، وهو الحق، ومن قابل هذه السنة بالرأي الفاسد؛ فرأيه رد عليه، مضروب في وجهه.
[يبطل الصوم بالجماع عمدا] :
(و) هكذا (الجماع) ؛ لا خلاف في أنه يبطل الصيام إذا وقع من عامد، وأما إذا وقع مع النسيان؛ فبعض أهل العلم ألحقه بمن أكل أو شرب ناسيا، وتمسك بقوله في الرواية الأخرى " من أفطر يوما من رمضان ناسيا؛ فلا قضاء عليه ولا كفارة "،
وبعضهم منع من الإلحاق.
أقول: إفساد الصوم بالوطء لا يعرف في مثل هذا خلاف، وقد ثبت في " الصحيحين " وغيرهما: أن المجامع في رمضان قال للنبي صلى الله عليه وسلم: هلكت يا رسول الله {قال: " وما أهلكك؟} "، قال: وقعت على امرأتي في رمضان، فأمره بالكفارة.
وفي رواية لأبي داود، وابن ماجه: أنه صلى الله عليه وسلم قال له: " وصم يوما مكانه "؛ وهذه الزيادة مروية من أربع طرق، ويقوي بعضها بعضا.
ويدل على تحريم الوطء للصائم واجبا: مفهوم قوله - سبحانه - {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} .
[يبطل الصوم بالقيء عمدا] :
(والقيء عمداً) : لحديث أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من ذرعه القيء؛ فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمدا؛ فليقض "؛ أخرجه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وابن حبان، والدار قطني، والحاكم - وصححه -.
وقد حكى ابن المنذر الإجماع على أن تعمد القيء يفسد الصيام؛
وفيه نظر؛
فإن ابن مسعود، وعكرمة، وربيعة قالوا: إنه لا يفسد الصوم، سواء كان غالبا أو مستخرجا؛ ما لم يرجع منه شيء باختياره،
واستدلوا بحديث:
" ثلاث لا يفطّرن: القيء، والحجامة (2) ، والاحتلام "، أخرجه الترمذي من حديث أبي سعيد، وفي إسناده عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وهو ضعيف.
" ثلاث لا يفطّرن: القيء، والحجامة (2) ، والاحتلام "، أخرجه الترمذي من حديث أبي سعيد، وفي إسناده عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وهو ضعيف.
وعلى فرض صلاحيته للاستدلال؛ فلا يعارض حديث أبي هريرة؛ لأن هذا مطلق وذاك مقيد بالعمد.
أقول: حديث أبي هريرة المتقدم هو في عدة من كتب الحديث، وله طرق مختلفة ينتهض معها للاستدلال (3) ، وفيه الفرق بين المتعمد للقيء وغير المتعمد، ولا يعارض هذا حديث أبي سعيد المتقدم؛ لأنه عام مخصص بحديث الفرق بين المتعمد وغير المتعمد، فيكون معناه: أن القيء إذا وقع من غير اختيار الصائم بل ذرعه؛ كان غير مفطر، وهذا الجمع لا بد منه.
ويؤيده حديث: أنه صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر (4) ؛ فإن بعض الحفاظ فسره بأنه استقاء، والمراد بالاستقاء؛ تعمد القيء؛ كما صرح به أهل العلم.
[ يحرم الوصال ] :
(ويحرم الوصال) : لنهيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك؛ كما في حديث أبي هريرة، وابن عمر، وعائشة؛ وهو في " الصحيحين " وغيرهما.
وفي الباب أحاديث.
[ كفارة من أفطر عمدا ] :
(وعلى من أفطر عمدا كفارة ككفارة الظهار) : لحديث المجامع في رمضان؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: " هل تجد ما تعتق رقبة؟ "، قال: لا، قال: " فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ "، قال: لا، قال: " فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا؟ "، قال: لا، ثم أُتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر، فقال: " تصدق بهذا "، قال: فهل على أفقر منا؟ ! فما بين لابتيها أهل بيت أحوج منا، فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت نواجذه، وقال: " اذهب فأطعمه أهلك "؛ وهو في " الصحيحين " وغيرهما من حديث أبي هريرة، وعائشة.
وقد قيل: إن الكفارة لا تجب على من أفطر عامدا بأي سبب، بل بالجماع فقط، ولكن الرجل إنما جامع امرأته؛ فليس في الجماع في نهار رمضان إلا ما في الأكل والشرب؛ لكون الجميع حلالا لم يحرم إلا لعارض الصوم.
وقد وقع في رواية من هذا الحديث: أن رجلا أفطر؛ ولم يذكر الجماع (5) .
أقول: إذا ورد ما يدل على وجوب مثل كفارة الظهار، وورد ما يدل على أنه يجزئ أقل منها،؛ كان ورود الأقل رخصة لمن لا يجد مثل كفارة الظهار، وهذا ظاهر لا لبس فيه.
( 3 - تعجيل الفطر وتأخير السحور مندوب )(*)
[ تعجيل الفطر وتأخير السحور مندوب ] :
(ويُندب تعجيل الفطر وتأخير السحور) : لحديث سهل بن سعد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر "؛ وهو في " الصحيحين " وغيرهما.
وعن أبي ذر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تزال أمتي بخير؛ ما أخروا السحور، وعجلوا الفطر " (6) ؛
أخرجه أحمد، وفي إسناده سليمان بن عثمان، قال أبو حاتم: مجهول.
وقد ثبت في " الصحيحين " وغيرهما من حديث زيد بن ثابت: أنه كان بين تسحره صلى الله عليه وسلم ودخوله في الصلاة؛ قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية.
وفي الباب أحاديث كثيرة.
____________
(1) • في " بلوغ المرام "، وسبقه إلى ذلك غيره.
وتردد النووي بين تصحيحه وتحسينه، والحق أنه حسن الإسناد، والأول صحيحه؛ كما بينته في " التعليقات الجياد " (4 / 26) . (ن)
وتردد النووي بين تصحيحه وتحسينه، والحق أنه حسن الإسناد، والأول صحيحه؛ كما بينته في " التعليقات الجياد " (4 / 26) . (ن)
(2) • هذا الذي استقر عليه الشرع، وإن كان قد صح: " أفطر الحاجم والمحجوم ": فإنه منسوخ؛ كما بينته في " التعليقات " (4 / 33 - 34) . (ن)
(3) • قلت: لا سيما وأن أحدها صحيح على شرط الشيخين؛ كما بينته في " التعليقات الجياد " (4 / 27) . (ن)
(4) • صححه غير واحد، لكن في سنده اختلاف أشار إليه الحافظ وغيره، كما ذكرنا في " التعليقات " (4 / 28) . (ن)
قلت: وجزم الشيخ - أخيرا - بصحته في " تمام المنة " (ص 111) ، و " الإرواء " (تحت حديث 111) .
(5) إذا صح الحديث؛ فهو مجمل، وقد بينته الروايات الأخرى: أنه أفطر بالجماع.
ثم إن قياس الأكل والشرب على الجماع غير صحيح، والقياس في العبادات باطل أصلا، وليس للقائلين بوجوب الكفارة على المفطر بغير الجماع دليل صحيح، والأصل عدم الوجوب إلا بدليل.
فالحق أن الكفارة لا تجب إلا على من أفطر بالجماع فقط؛ كما ذهب إليه الشافعي وغيره من أهل العلم. (ش)
(6) • يغني عنه قوله صلى الله عليه وسلم: " إنا - معشر الأنبياء - أُمرنا بتعجيل فطرنا، وتأخير سحورنا، وأن نضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة "؛ رواه ابن حبان، والضياء بسند صحيح. (ن)
(*) هذا التبويب غير موجود بالأصل
_______________
التعليقات الرضية علي الروضة الندية
بقلم العلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالي
المكتبةالشاملة
بقلم العلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالي
المكتبةالشاملة
تعليقات
إرسال تعليق