مسائل عصرية في السياسة الشرعية

مسائل عصرية في السياسة الشرعية


للشيخ محمد ناصرالدين الألباني رحمه الله تعالى
والشيخ مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله تعالى،  وآخرون

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي لهوأشهد أن لا إ له إلا الله وحده لا شريك به. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ( صلى الله عليه وآ له وسلم ). 


أما بعد: 
فإن الله قد أخذ العهد والميثاق على العلماء أن يبينوا للناس ما نزل، قال تعالى : {وإذْ أَخَذَ اللهُ ميثاقَ الَذينّ أُتوا الكِتابَ لَتُبَيِنُنَهُ لِلنَاسِ وَلاَ تَكتُمونَه}. ولعن الذين يكتمون الحق فقال : { إِنَ الذينَ يَكتمونَ ما أنزَلنا مِنَ البَيِنَاتِ وَالهُدى مِن بَعْدِ ما بَيَنَاهُ للنَاس في الكِتَابِ أولَئِكَ يَلعَنُهُم اللهُ وَيلعَنُهُم ا لَلاعِنونَ إلا الَذِينَ تَابُوا وأصلَحوا وبيَنوا فَأولئِكَ أتوبُ عليهم وأنا التَوَابُ الرَحيم } .
وتوعد من كتم العلم بالنار فقال : { إنَ الَذِينَ يَكتُمونَ مَا أنزَلَ الله منَ ا لكِتَاب وَيشتَرونُ بِه ثََمَنَا قَليِلاً أُولَئِكَ مَا يَأكلونَ في بُطُونِهِم إلا النَارَ وَلا يُكلِمهُم الله يَومَ القِيامةِ ولا يُزكِيهم وَلَهُم عَذاب أليم } 
وعملا بقوله (صلى الله عليه وأله وسلم) : " الدين النصيحة"،  قلنا: لمن يا رسول الله؟
قال : "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " رواه مسلم .
ونظرا لما تعيشة الامة الإسلامية، من أحداث، وما يحاك ضدها من مؤامرات من أهمها الأفكار المستوردة الدخيلة التي أفسدت على الأمة عقيدتها وشريعتها، فكان لزاما على من آتاهم الله علم ا لشريعة أن يبينوا حكم الله في الأُمور التالية :


أولاً - الديمقراطية
وهي عند واضيعها ومعتنقيها: حكم الشعب نفسه بنفسه، وأن الشعب مصدر السلطات جميعا. وهي بهذا الاعتبار مناقضة للشريعة الإسلامية والعقيدة قال تعالى : { إِن الحُكمُ إلا لله } وقال: { وَمَن لَم يَحكُم بِما أنزَلَ الله فَأولَئِكَ هُم الكَافِرون }، وقال: { اَم لَهُم شُركاءُ شَرَعوا لَهُم مِن الدِين مَا لم يَأذن بِه الله }، وقال { فَلا وَرِبِكَ لا يُؤمِنُونَ حَتى يُحَكِمُوكَ فِيما شَجَرَ بَينَهُم} وقال تعالى : {وَلاَ يُشرِك في حُكمِهِ أحدا} .
ولأنَ الديمقراطية نظام طاغوت، وقد أمرنا أن نكفر بالطاغوت، قال تعالى : { فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَاغُوتْ وَيُؤمِن بِاللهِ فَقَدْ استَمْسَكَ بِالعُروَةِ الوثقَى لا انفِصَامَ لها وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمْ }، وقال تعالى : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا في كُلِ أُمَةٍ رَسُولاً أنِ اعبُدوا الله وَاجتَنِبوا الطَغُوت }، وقال : {أَلم تَرَ إلى الَذِينَ أُوتُوا نَصِيبَاً مِنَ ا لكِتَابِ يُؤمِنُونَ بِالجِبـتِ وَالطَاغُوتِ وَيَقُولونَ لِلَذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاَءِ أهدى من الَذِينَ آمَنوا سَبِيلا } .
فالديمقراطية والإسلام نقيضان لا يجتمعان أبدا!
إما الإيمان بالله والحكم بما أنزله، وإما الإيمان بالطاغوت والحكم به، وكل ما خالف شرع الله فهو من الطاغوت. ولا عبرة بمن يحاول أن يجعلها من الشورى الإسلامية، لأن ا لشورى فيما لا نص فيه ولأهل الحل والعقد من أهل الدين والورع، والديمقراطية بخلاف ذلك كما سبق .


ثانيا - التعددية
وهي فرع عن الديمقراطية وهي قسمان :
تعددية سياسية.
وتعددية فكرية عقائدية.
أما التعددية العقائدية : فمعناها أن الناس في ظل النظام الديمقراطي لهم الحرية في ان يعتقدوا ما يشاؤون، ويمكنهم الخروج من الإسلام إلى أي ملة ونحلة أخرى حتى ولو كانت يهودية أو نصرانية أو شيوعية أو اشتراكية أو علمانية، وتلك هي الردة بعينها
قال تعالى : { إِنَ الَذِينَ ارتَدوا على أَدْبَارِهِم مِن بَعد مَا تَبَيَن لَهُم الهُدى الشَيطَانُ سَوَلَ لَهُم وأملى لَهُم ذََلِكَ بِأَنَهُم قَالُوا لِلَذِينَ كَرِهوا مَا نَزَل الله سَنُطُيعكم في بَعَض الأمر والله يَعلَم إِسَراَ رهُم }، وقال تعالى : { وَمَن يَرتَدَ مِنكُم عَن دِينه فَيمُت وَهُوَ كَافِر فَأُلَئِكَ حَبِطَت أعماَلَهُم في الدُنيَا وَالآخِرَة وَأولئِكَ أَصحَابُ النَار هُم فِيها خَالِدون }، وقال { وَمَن يَبتَغِ غَيرَ الإسلامِ دِينَاً فَلن يُقبَلَ مِنهُ وَهُوَ في الآخِرَةِ مِنَ الخَسِرِين }. 
وأما التعددية السياسية : فهي فتح المجال لكافة الأحزاب بغض النظرعن أفكارها وعقائدها لتحكم المسلمين عن طريق الإنتخابات، وهذا فيه مساواة بين المسلم وغيره.
وهذه خلاف للأدلة القطعية التي تحرم أن يتولى المسلمين غيرهم، قال تعالى : { وَلَن يَجعَل اللهُ ِللكَافِرِينَ عَلى المُؤمِنِينَ سَبِيلاً }، وقال تعالى : { يَا أَيُها الَذِينَ آمَنوا أطِيعوا الله وَأَطِيعوا الرَسُولَ وأُولِي الأمرِ مِنكُم }، وقال تعالى : { أَفَنَجعَلُ المُسلِمِينَ كَالمُجرِمِين مَا لَكُم كَيفَ تَحكُمُون }. 
ولأن التعددية تؤدي إلى التفرق والإختلاف الموجب لعذاب الله قال تعالى : { وَلا تكونوا كالذِينَ تَفَرَقُوا وَاختَلَفوا من بَعدِ ما جَاءهُم البَينَات وأولئكَ لهُم عَذَابٌ عَظِيم }، وموجب ايضا لبراءة الله ورسوله ممن يفعل هذا، قال تعالى : { إنَ الَذِينَ فََرَقوا دِينَهُم وكَانوا شِيعَا لَستَ مِنهُم في شيء } الآية .
ومن حاول أن يجعل هذه التعددية تعددية برامج لا مناهج أو على غرار الخلاف المذهبي بين علماء الإسلام، فالواقع يردُه، ولأن برامج كل حزب منبثق من فكره، وعقيدته، فبرنامج الإشتراكي منطلق من مبادئ الإشتراكية، والعلماني الديمقراطي من مبادئ الدميقراطية ... وهلم جراً .


ثالثا- التحالف والتنسيق مع الأحزاب العلمانية :
ومعنى التحالف هو الإتفاق بين المتحالفين على امور ينصر بعضهم بعضا فيها .
والتنسيق - كما في ( لسان العرب ) [12/230] -: النَسق من كل شيء، ما كان على نظام واحد عام في الأشياء والتنسيق : التنظيم، هو أبلغ من التحالف، والتنسيق على نصرة الديمقراطية، والتعددية، والرأي، والراي الآخر، وتداول السلطة سلمياً الذي أبرمته الأحزاب الإسلامية في اكثر من بلد إسلامي مع الأحزاب العلمانية كان من آخر ذلك ما وقع للتجمع اليمني للإصلاح مع حزب البعث العربي الإشتراكي، وهذا التحالف والتنسيق حرام، لأنه تعاون على الإثم والعدوان، قال تعالى { وَتَعاوَنُوا على البِرِ والتَقوى ولا تَعَاونوا على الإثم والعُدوَان }، وقال : { وَلا تَركَنوا إلى الَذِينَ ظَلَموا فَتَمَسَكُم النار وما لكم من دونِ اللِه من أولِيَاء ثُمَ لا تُنصَرون }، وقال تعالى : { يَا أيها الَذِين آمَنوا لا تَتَخِذوا بِطانة من دُونِكم لا يألُونَكم خَبالا ودوا ما عَنِتُم قد بَدَت البَغضاءُ من أفواهِهم وما تُخفي ُصدوُرهم أكبرُ قد بَينا لكم الآياتِ إن كنتُم تَعقِلون } ولأن من لوازم هذا التنسيق والتحالف أن يواد بعضهم بعضا، وفيه إخلال بمبدأ الولاء والبراء، وهما من أوثق عرى الإيمان والله يقول : { َوَمن يَتَوَلهُم مِنكُم فَإنه مِنهُم }، وقال عليه الصلاة والسلام : " المرءُ مع من يحب " ! متفق عليه.
وقد استدل المتحالفون المنسقون بأدلة لا تدل على ما أ رادوا، فمن أدلتهم:
(1) تحالف النبي صلى الله عليه وسلم مع اليهود . 
والجواب من وجوه:
أ - لم يصح ذلك مسنداً لأنه معضل. 
ب- بنود تلك الوثيقة المستدل بها على فرض صحتها تخالف مضمون التحالف الموجود. 
ج- اختلاف حكم اليهود عن حكم الممتنعين عن تطبيق شرع الله .
د- ليسوا مضرين إلى هذا التحالف لأن الضرورة ا لشرعية غير محققة، لأن شروط الضرورة غير موجودة.
ذ- لو صح فإن ذلك التحالف منسوخ بأحكام الجزية 
و- كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمثل الدولة الإسلامية، وليس لجماعة او حزب في طور الدعوة إلى الله أ ن تجعل نفسها مقام الدولة الإسلامية. 
ز- اليهود كانوا ضمن رعايا الدولة الإسلامية ولم يكن تحالف النِد للنِد . 
ومن أدلتهم :
(2) حلف خزاعة
أ - والصحيح أنهم كانوا مسلمين، حيث جاء في السيرة : ( ثم أسلمنا فلم ننزع يداً، وقتلونا ركعاً وسجداً ).
ب- على فرض كونهم مشركين فحكم الكافر الأصلي يختلف عن حكم يمتنع عن تطبيق شرع الله .
ج- اختلاف مضمون ما يقوم عليه التحالف الآن عن مضمون حلف خُزاعة، فبنود اتفاقية الأحزاب سبقت الإشارة إليها، وأما بنود حلف خزاعة فلم يكن تنازل عن حق ولا رضى بباطل . 
ومن أدلتهم : 
(3) جوار المطعم بن عدي وأبي طالب لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
والجواب : أن ذلك فيه تنازل.
*تناقضات المتحالفين:
مرة يقولون : أحزاب علمانية، ومرة يقولون : التعددية تعددية برامج وليست مناهج، ومرة يقولون : الحزب الفلاني على حاله الآن مرتد ولكن جاء تائبا فمن ثم حكموا بإسلامهم وتوبتهم، فلماذا يحتجون بأن النبي صلى الله عليه وسلم حالف اليهود والمشركين ؟ وإن حكموا بردتهم فكيف تحالفوا معهم ؟ وهذا تناقض، وعلى فرض صحة توبتهم، فيلزمهم شرعا الأمور التالية 
أ - إعلان برائتهم من كل ما اعتقدوه واشتهروا به وبيان اعترافهم بخطأ منهجهم الذي سلكوه 
ب- التخلي عن كل ما يصادم الإسلام ظاهراً وباطنا.
ومن أدلتهم
(4) صلح الحديبية :
والجواب: 
أ- تلك الدولة الإسلامية لها حق إبرام الصلح مع المحاربين فيما تراه مصلحة راجحة على المفسدة 
ب- لم يكن قي صلح الحديبية تنازل جوهري كحال
المتحالفين مع الأحزاب، فبدل ( الرحمن الرحيم ) كتب : ( باسمك اللهم )، وأما عدم كتابة رسول الله فليس فيها دليل على أنه ينفي الرسالة عن نفسه بل قال : ( والله إني لرسول الله ) 
ج- ما وقع من المصالحة كان فيها مصلحة راجحة ألا وهي تعظيم حرمات الله، فأين هذه من ا لمفسدة العظيمة التي ترتبت على التحالف والتنسيق ؟ 
د- واختلاف حكم الكافر الأصلي عن حكم الممتنع عن الشريعة


رابعا - الإنتخابات السياسية :
فهي بالطريقة الديمقراطية حرام أيضا لا تجوز، لأنه لا يشترط في المنتخب والناخب الصفات الشرعية لمن يستحق الولاية العامة أو الخاصة، فهي بهذه الطريقة تؤدي إلى أن يتولى حكم المسلمين من لا يجوز توليته ولا استشارته ولأن المقصود بالمنتخب أن يكون عضواً في مجلس النواب التشريعي والمجالس النيابية التي لا تحتكم إلى كتاب الله وسنة رسوله وإنما تتحاكم إلى الأكثرية، فهي مجالس طاغوتية لا يجوز الاعتراف بها، فضلا عن أن يسعى المسلم إلى إنشائها ويتعاون في إيجادها وهي تحارب شرع الله ولأنها طريقة غربية من صنع اليهود والنصارى ولا يجوز شرعا التشبه بهم .
ومن يقول : إنه لم يثبت في الشرع طريقة معينة في اختيار الحاكم فمن ثم فلا مانع من الإنتخابات .
يقال له : ليس صحيحا أنه لم يثبت ذلك في الشرع فما فعله الصحابة من كيفيات الإختيار للحاكم فكلها طرق شرعية.
وأما طريقة الأحزاب السيا سية فيكفي في المنع منها أنه لا يوضع لها ضوابط وتؤدي إلى تولية غير المسلم وليس أحد من الفقهاء يقول بجواز ذلك.


خامسا - العمل السياسي :
ميثاق الشرف!
مضمون هذا الميثاق اتفاقهم على أن لا يكفر بعضهم بعضا وترسيخ مبدأ الديمقراطية ! وحكم الإسلام قي هذا أنه يكفر من كفر الله ورسوله ويفسق من فسقه الله ورسوله ويضلل من ضلله الله ورسوله، وليس في الإسلام صكوك حرمان وغفران، وتكفير المسلم العاصي ليس من منهج أهل السنة والجماعة ما لم يستحيل المعصية .
وأما الدساتير الوضعية ومنها دستور الجمهورية اليمنية فقد بين علماء اليمن ما فيه من ثغرات ومخالفات بما أغنى عن إعادته.

طريقة دعوتنا إلى الله التي يجب أن يفقهمها الجميع 
1- ندعوا إلى كتاب الله وسنة رسوله بالحكمة والموعظة الحسنة على فهم السلف. 
2- نعتبر أهم واجبتناالشرعية مواجهة الأفكار المستوردة والبدع الدخيلة على الإسلام، بالعلم النافع والدعوة إلى الله ونشر الوعي، وتصحيح المعتقدات والمفاهيم، وجمع كلمة المسلمين على ذلك .
3- نرى أن الأمة ليست بحاجة إلى ثورات واغتيالات وفتن، ولكنها بحاجة إلى التربية الإيمانية والتصفية الفكرية، وهذه من أنجع الوسائل لإعادة الأمة إلى عزها ومجدها.


*وختاماً نحب أن ننبه إلى أن من دوافع هذا البيان أننا رأينا بعض العلماء يتكلم باسم الإسلام وعلماء اليمن في مسائل تبنتها بعض الأحزاب الإسلامية، وأرادت بذلك أن تعطيها الصفة الشرعية في توجيهها السياسي على رغم ما فيه من تناقضات وأخطاء شرعية علماً بأنهم لا يمثلون إلا أنفسهم وحزبهم الذي ينتمون إليه، والعبرة إنما هي بالدليل لا بالكثرة والقال والقيل. 
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين
والحمد لله رب العالمين.
صدرت هذه الفتوى من بعض علماء أهل السنة والجماعة إلى عموم المسلمين، وها هي توقيعاتهم:
توقيعات المشائخ على المقالة تجدها في مجلة الأصالة /العدد الثاني[16-24]

مصدر التفريغ

منتدي شبكة الإمام الآجري






















تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة