كتاب المرأة والنكاح وما يتعلق به و تربية الأولاد

كتاب المرأة والنكاح وما يتعلق به و تربية الأولاد

من تربية الأطفال

40 – (إِذَا جُنْحُ اللَّيْلِ فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ فَإِذَا ذَهَبَت سَاعَةٌ مِنْ الْعِشَاءِ فَخَلُّوهُمْ).

جنح الليل أي إذا أقبل ظلامه , قال الطيبي (جنح الليل : طائفة منه , وأراد به هنا الطائفة الأولى منه , عند امتداد فحمة العشاء)

 
استحباب النظر إلى المرأة قبل خطبتها
 
95- (انْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّ فِي أَعْيُنِ الْأَنْصَارِ شَيْئًا , يعني : الصغر).

أخرجه مسلم , وسعيد بن منصور , والنسائي , والطحاوي , وابن حبان , والدارقطني , والبيهقي , عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه : (أَنَّ رَجُلًا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً من نساء الأنصار فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّ فِي أَعْيُنِ الْأَنْصَارِ شَيْئًا) , والسياق للطحاوي , ولفظ مسلم والبيهقي : (كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَظَرْتَ إِلَيْهَا قَالَ لَا قَالَ فَاذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّ فِي أَعْيُنِ الْأَنْصَارِ شَيْئًا)

وقد جاء تعليل هذا الأمر في حديث صحيح , وهو :

96- (انْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا).

أخرجه سعيد بن منصور , والنسائي , والترمذي , والدارمي , وابن ماجه , والطحاوي , وابن الجارود , والدارقطني , والبيهقي , وأحمد , وابن عساكر , عن بكر بن عبدالله المزني عن المغيرة بن شعبة : (أنه خطب امرأة , فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فذكره) , وزاد أحمد والبيهقي : (فأتيتها وعندها أبواها وهي في خدرها , قال : فقلت : إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرني أن أنظر إليها , قال : فسكتا , قال فرفعت الجارية جانب الخدر , فقالت :أخرج عليك إن كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرك أن تنظر , لما نظرت , وإن كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يأمرك أن تنظر , فلا تنظر , قال فنظرت إليها , ثم تزوجتها , فما وقعت عندي امرأة بمنزلتها , ولقد تزوجت سبعين أو بضعاً وسبعين امرأة).

ومعنى : يُؤْدَمَ , أي تدوم المودة .

قلت : ويجوز النظر إليها , ولو لم تعلم أو تشعر به لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

97- (إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ امْرَأَةً فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا إِذَا كَانَ إِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَيْهَا لِخِطْبَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَعْلَمُ).

وقد عمل بهذا الحديث بعض الصحابة , وهو محمد بن مسلمة الأنصاري , فقال سهل بن أبي حثمة : (رأيت محمد بن مسلمة يطارد بثينة بنت الضحاك – فوق إجار لها – ببصره طرداً شديداً , فقلت : أتفعل هذا وأنت من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال : إني سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:

98- (إِذَا أَلْقَي فِي قَلْبِ امْرِئٍ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا).

وما ترجمنا به للحديث قال به أكثر العلماء , ففي فتح الباري : (وقال الجمهور :يجوز أن ينظر اليها إذا أراد ذلك بغير إذنها , وعن مالك رواية : يشترط إذنها , ونقل الطحاوي عن قوم أنه لا يجوز النظر إلى المخطوبة قبل العقد بحال , لأنها حينئذ أجنبية , ورد عليهم بالأحاديث المذكورة.

روى عبد الرزاق بسند صحيح عن ابن طاوس قال : أردت أن أتزوج امرأة ، فقال لي أبي اذهب فانظر إليها فذهبت فغسلت رأسي وترجلت ولبست من صالح ثيابي , فلما رآني في تلك الهيئة , قال لا تذهب.

قلت : ويجوز له أن ينظر منها إلى أكثر من الوجه والكفين , لإطلاق الأحاديث المتقدمة ولقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

99- (إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ الْمَرْأَةَ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ).

والحديث ظاهر الدلالة لما ترجمنا له , وأيده عمل راويه به , وهو الصحابي الجليل جابر بن عبدالله رضي الله عنه , وقد صنع مثله محمد بن مسلمة , كما ذكرناه في الحديث الذي قبله , وكفى بهما حجة.

ولا يضرنا بعد ذلك مذهب من قيد الحديث بالنظر إلى الوجه والكفين فقط , لأنه تقييد للحديث بدون نص مقيد , وتعطيل لفهم الصحابة بدون حجة , لا سيما وقد تأيد بفعل الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه , فقال الحافظ في التلخيص : (فائدة روى عبد الرزاق (10352) , وسعيد بن منصور في سننه (520- 521) وابن ابي عمر عن سفيان عن عمرو بن دينار عن محمد بن علي بن الحنفية : أن عمر خطب إلى علي ابنته أم كلثوم , فذكر له صغرها , [فقيل له : إن ردك فعاوده] , فقال [له علي] : أبعث بها إليك , فإن رضيت فهي امرأتك , فأرسل بها إليه , فكشف عن ساقيها , فقالت لولا أنك أمير المؤمنين لصككت عينك , وهذا يشكل على من قال : إنه لا ينظر غير الوجه والكفين).

قلت : ثم وقفت على إسناده عند عبدالرزاق فتبين أن في القصة انقطاعاً , وأن محمد بن على ليس هو ابن الحنفية , وإنما هو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب , أبوجعفر , في بحث أودعته في الضعيفة فراجعه فإنه مهم.

وهذا القول الذي أشار الحافظ إلى استشكاله هو مذهب الحنفية والشافعية , قال ابن القيم في تهذيب السنن : (وقال داود : ينظر إلى سائر جسدها , وعن أحمد ثلاث روايات:

إحداهن : ينظر إلى وجهها ويديها.

والثانية : ينظر ما يظهر غالباً كالرقبة والساقين ونحوهما .

والثالثة : ينظر إليها كلها عورة وغيرها , فإنه نص على أنه يجوز أن ينظر إليها متجردة).

قلت : والرواية الثانية هي الأقرب إلى ظاهر الحديث , وتطبيق الصحابة له , والله أعلم .

وقال ابن قدامة في (المغني) : ( ووجه جواز النظر [إلى] ما يظهر غالباً أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما أذن في النظر إليها من غير علمها , علم أنه أذن في النظر إلى جميع ما يظهر عادة , إذ لا يمكن إفراد الوجه بالنظر مع مشاركة غيره له في الظهور , ولأنه يظهر غالباً , فأبيح النظر إليه كالوجه , ولأنها امرأة أبيح له النظر إليها بأمر الشارع , فأبيح النظر منها إلى ذلك كذوات المحارم)

ثم وقفت على كتاب (ردود على أباطيل) لفضيلة الشيخ محمد الحامد , فإذا به يقول (ص 43) : ( فالقول بجواز النظر إلى غير الوجه والكفين من المخطوبة باطل لا يقبل).

وهذه جرأة بالغة من مثله ما كنت أترقب صدورها منه , إذ إن المسألة خلافية كما سبق بيانه , ولا يجوز الجزم ببطلان القول المخالف لمذهبه إلا بالإجابة عن حجته ودليله كهذه الأحاديث , وهو لم يصنع شيئاً من ذلك , بل إنه لم يشر إلى الأحاديث أدنى إشارة , فأوهم القراء أن لا دليل لهذا القول أصلاً , والواقع خلافه كما ترى , فإن هذه الأحاديث بإطلاقها تدل على خلاف ما قال فضيلته , كيف لا وهو مخالف لخصوص قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث – 99 - : (مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا)؟ فإن كل ذي فقه يعلم أنه ليس المراد منه الوجه والكفان فقط , ومثله في الدلالة قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث – 97- : (وَإِنْ كَانَتْ لَا تَعْلَمُ) وتأيد ذلك بعمل الصحابة رضي الله عنهم , وهم أعلم بسنته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومنهم محمد بن مسلمة وجابر بن عبدالله , فإن كلاً منهما تخبأ لخطيبته ليرى منها ما يدعوه إلى نكاحها , أفيظن بهما عاقل أنهما تخبأ للنظر إلى الوجه والكفين فقط ؟ ومثل عمر بن الخطاب الذي كشف عن ساقي أم كلثوم بنت علي – إن صح عنه – فهؤلاء ثلاثة من كبار الصحابة – أحدهم الخليفة الراشد – أجازوا النظر إلى أكثر من الوجه والكفين , ولا مخالف لهم من الصحابة فيما أعلم , فلا أدري كيف استجاز مخالفتهم مع هذه الأحاديث الصحيحة ؟ وعهدي بأمثال الشيخ أن يقيموا القيامة على من خالف أحداً من الصحابة اتباعاً للسنة الصحيحة , ولو كانت الرواية عنه لا تثبت , كما فعلوا في عدد ركعات التراويح , ومن عجيب أمر الشيخ – عفا الله عنا وعنه – أنه قال في آخر البحث : قال الله تعالى : (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)النساء 59 , فندعو أنفسنا وإياه إلى تحقيق هذه الآية , ورد المسألة إلى السنة بعدما تبينت , والله المستعان , ولا حول ولا قوة إلا بالله.

هذا ومع صحة الأحاديث في هذه المسألة , وقول جماهير العلماء بها – على الخلاف السابق - , فقد أعرض كثير من المسلمين في العصور المتأخرة عن العمل بها , فإنهم لا يسمحون للخاطب بالنظر إلى فتاتهم – ولو في حدود القول الضيق – تورعاً منهم – زعموا – ومن عجائب الورع البارد أن بعضهم يأذن لا بنته بالخروج إلى الشارع سافرة بغير حجاب شرعي , ثم يأبى أن يراها الخاطب في دارها وبين أهلها بثياب الشارع.

وفي مقابل هؤلاء بعض الآباء المستهترين الذين لا يغارون على بناتهم – تقليداً منهم لأسيادهم الأوربيين – فيسمحون للمصور أن يصورهن وهن سافرات سفوراً غير مشروع , والمصور رجل أجنبي عنهم , وقد يكون كافراً , ثم يقدمن صورهن إلى بعض الشبان بزعم أنهم يريدون خطبتهن , ثم ينتهي الأمر على غير خطبة , وتظل صور بناتهم معهم ليتغزلوا بها , وليطفئوا حرارة الشباب بالنظر إليها , ألا فتعساً للآباء الذين لا يغارون , وإنا لله وإنا إليه راجعون.


الزوجة المؤذية ودعاء الحور العين

173- (لَا تُؤْذِي امْرَأَةٌ زَوْجَهَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا قَالَتْ زَوْجَتُهُ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ لَا تُؤْذِيهِ قَاتَلَكِ اللَّهُ فَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَكَ دَخِيلٌ يُوشِكُ أَنْ يُفَارِقَكِ إِلَيْنَا).

دَخِيلٌ , أي : ضيف ونزيل , يعني : هو كالضيف عليك , وأنت لست بأهل له حقيقة , وإنما نحن أهله , فيفارقك قريباً , ويلحق بنا.

يُوشِكُ , أي : يقرب , ويسرع , ويكاد.

في الحديث – كما ترى – إنذار للزوجات المؤذيات.


تعليم المرأة الكتابة


178- (ارقيه ، وعلميها حفصة كما علمتيها الكتاب ، وفي رواية الكتابة).

أخرجه الحاكم من طريق : إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان ثنا إسماعيل بن محمد بن سعد أن أبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة القرشي حدثه أن رجلا من الأنصار خرجت به نملة فدل على أن الشفاء بنت عبد الله ترقي من النملة فجاءها فسألها أن ترقيه فقالت والله ما رقيت منذ أسلمت فذهب الأنصاري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بالذي قالت الشفاء فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الشفاء فقال اعرضي علي فأعرضتها عليه فقال : (فذكر الحديث).

غريب الحديث:

نملة : هي هنا قروح تخرج في الجنب.

رقية النملة : , قال الشوكاني في تفسيرها (هي كلام كانت نساء العرب تستعمله يعلم كل من سمعه أنه كلام لا يضر ولا ينفع . ورقية النملة التي كانت تعرف بينهن أن يقال للعروس تحتفل وتختضب وتكتحل وكل شيء يفتعل غير أن لا تعصي الرجل).

كذا قال , ولا أدري ما مستنده في ذلك , ولا سيما وقد بنى قوله الآتي تعليقاً على قوله صلى الله عليه وسلم : [ألا تعلمين هذه] : (فأراد صلى الله عليه وسلم بهذا المقال تأنيب حفصة والتأديب لها تعريضا لأنه ألقى إليها سرا فأفشته على ما شهد به التنزيل في قوله تعالى [وإذا أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا]التحريم 3 , وليت شعري , ما علاقة الحديث بالتأنيب لإفشاء السر , وهو يقول : (كما علمتيها الكتاب) فهل يصح تشبيه تعليم رقية لا فائدة منها بتعليم الكتابة؟.

وأيضاً فالحديث صريح في أمره صلى الله عليه وسلم للشفاء بترقية الرجل الأنصاري من النملة , وأمره إياها بأن تعلمها لحفصة , فهل فهل يعقل بأن يأمر صلى الله عليه وسلم بهذا الترقية لو كانت باللفظ الذي ذكره الشوكاني بدون أي سند , وهو بلا شك كما قال : كلام لا يضر ولا ينفع , فالنبي صلى الله عليه وسلم أسمى من أن يأمر بمثل هذه الترقية , ولئن كان لفظ رواية أبي دأود يحتمل تأويل الحديث على التأنيب المزعوم , فإن لفظ الحاكم هذا الذي صدرنا به هذا البحث لا يحتمله إطلاقاً , بل هو دليل صريح على بطلان ذلك التأويل بطلاناً بيناً كما هو ظاهر لا يخفى , وكأنه لذلك صدر ابن الأثير في (النهاية) تفسير الشوكاني المذكور لرقية النملة , وعنه نقله الشوكاني , صدره بقوله (قيل) , مشيراً بذلك إلى ضعف ذلك التفسير , وما بناه عليه من تأويل قوله : (ألا تعلمين).

وفي هذا الحديث فوائد كثيرة أهمها اثنتان :

الأولى : مشروعية ترقية المرء لغيره بما لا شرك فيه من الرقى , بخلاف طلب الرقية من غيره , فهو مكروه لحديث : (سبقك بها عكاشة) , وهو معروف مشهور.

والأخرى : مشروعية تعليم المرأة الكتابة , ومن أبواب البخاري في الأداب المفرد : باب الكتابة إلى النساء وجوابهن , ثم روى بسنده الصحيح عن موسى بن عبدالله قال : (حدثتنا عائشة بنت طلحة قالت : قلت لعائشة – وأنا في حجرها , وكان الناس يأتونها من كل مصر , فكان الشيوخ ينتابوني لمكاني منها , وكان الشباب يتأخوني فيهدون إلي , ويكتبون إلي من الأمصار , فأقول لعائشة – ياخالة هذا كتاب فلان وهديته , فتقول لي عائشة : أي بنية , فأجيبيه وأثيبيه , فإن لم يكن عندك ثواب , أعطيتك , فقالت : فتعطيني).

وقال المجد ابن تيمية في منتقى الأخبار عقب الحديث : (وهو دليل على جواز تعلم النساء الكتابة).

وتبعه على ذلك الشيخ عبدالرحمن بن محمود البعلبكي الحنبلي في المطلع , ثم الشوكاني في شرحه وقال : (وأما حديث : [ لا تعلموهن الكتابة , ولا تسكنوهن الغرف , وعلموهن سورة النور) , فالنهي عن تعليم الكتابة في هذا الحديث محمول على من يخشى من تعليمها الفساد).

قلت : وهذا الكلام مردود من وجهين:

الأول : أن الجمع الذي ذكره يشعر أن حديث النهي صحيح , و إلا لما تكلف التوفيق بينه وبين هذا الحديث الصحيح ,وليس كذلك , فإن حديث النهي موضوع كما قال الذهبي , وطرقه كلها واهية جداً , وبيان ذلك في سلسلة الأحاديث الضعيفة , فإذا كان كذلك , فلا حاجة للجمع المذكور , ونحو صنيع الشوكاني هذا قول السخاوي في هذا الحديث الصحيح : (إنه أصح من حديث النهي) , فإنه يوهم أن حديث النهي صحيح أيضاً , أو على الأقل : هو قريب من الصحة.

والآخر : لو كان المراد من حديث النهي من يخشى عليها الفساد من التعليم , لم يكن هنالك فائدة من تخصيص النساء بالنهي , لأن الخشية لا تختص بهن , فكم من رجل كانت الكتابة عليه ضرراً في دينه وخلقه , أفينهى أيضاً الرجال أن يتعلموا الكتابة ؟ بل وعن تعلم القراءة أيضاً , لأنها مثل الكتابة من حيث الخشية.

والحق أن الكتابة والقراءة نعمة من نعم الله تبارك وتعالى على البشر , كما يشير إلى ذلك قوله عز وجل : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ)العلق1-4 , وهي كسائر النعم التي امتن الله بها عليهم , وأراد منهم استعمالها في طاعته , فإذا وجد فيهم من يستعملها في غير مرضاته , فليس ذلك بالذي يخرجها عن كونها نعمة من نعمه , كنعمة البصر والسمع والكلام وغيرها , فكذلك الكتابة والقراءة , فلا ينبغي للآباء أن يحرموا بناتهم من تعلمها , شريطة العناية بتربيتهن على الأخلاق الإسلامية , كما هو الواجب عليهم بالنسبة لأولادهم الذكور أيضاً , فلا فرق في هذا بين الذكور والإناث.

والأصل في ذلك أن كل ما يجب للذكور وجب للإناث , وما يجوز لهم جاز لهن , ولا فرق , كما يشير إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم :(إنما النساء شقائق الرجال) , وهو مخرج في صحيح أبي داود , فلا يجوز التفريق إلا بنص يدل عليه , وهو مفقود فيما نحن فيه , بل النص على خلافه , وعلى وفق الأصل , وهو هذا الحديث الصحيح , فتشبث به , ولا ترض به بديلاً , وتصغ إلى من قال:

ما للنساء وللكتابة والعمالة والخطابـة

هذا لنا ولهن منـا أن يبتن على جنابة

فإن فيه هضماً لحق النساء وتحقيراً لهن , وهن كما عرفت شقائق الرجال , نسأل الله تعالى أن يرزقنا الإنصاف والاعتدال في الأمور كلها.


وجه المرأة ليس بعورة والأفضل والأورع ستره

332 – (لقد رأيتنا نصلي مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة الفجر في مروطنا , وننصرف وما يعرف بعضنا وجوه بعض).

أخرجه أبو يعلي عن عمرة بنت عبدالرحمن أن عائشة قالت : (فذكره).

والحديث في الصحيحين دون ذكر الوجه , ولذلك أوردته , وهي زيادة مفسرة , لا تعارض رواية الصحيحين , فهي مقبولة.

وهو دليل ظاهر على أن وجه المرأة ليس بعورة , والأدلة على ذلك متكاثرة.

ومعنى كونه ليس بعورة : أنه يجوز كشفه , وإلا , فالأفضل والأورع ستره , لا سيما إذا كان جميلاَ , وأما إذا كان مزيناً , فيجب ستره قولاً واحداً , ومن شاء تفصيل هذا الإجمال , فعليه بكتابنا حجاب المرأة المسلمة , فإنه جمع فأوعى , وقد نشر والحمد لله باسم جلباب المرأة المسلمة , مع مقدمة مفيدة وتحقيقات جديدة.


المرأة أحق بولدها ما لم تزوج

368- (المرأة أحق بولدها ما لم تزوج).

أخرجه الدارقطني من طريق المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : أن أمراة خاصمت زوجها في ولدها , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (فذكره).

قال ابن القيم : (ودلّ الحديث على أنه إذا افترق الأبوانِ، وبينهما ولد، فالأمّ أحقُّ به من الأب ما لم يقم بالأمِّ ما يمنعُ تقديمَها، أو بالولد وصفٌ يقتضي تخييرَه، وهذا ما لا يُعرف فيه نزاعٌ، وقد قضى به خليفةُ رسولِ اللّه صلى الله عليه وسلم على عمر بن الخطاب ....).

وقد أشار بقوله : " ما يمنع تقديمها " : إلى أنه يشترط في الحاضنة أن تكون مسلمة دينه لأن الحاضن عادة حريص على تربية الطفل على دينه , وأن يربى عليه , فيصعب بعد كبره وعقله انتقاله عنه , وقد تغيره عن فطرة الله التي فطر عليها عباده , فلا يراجعها أبداً كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (كل مولود يولد على الفطرة , فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه) , فلا يؤمن تهويد الحاضن وتنصيره للطفل المسلم.

وأشار بقوله : (أو بالولد وصف يقتضي تخييره) , إلى أن الصبي إذا كان مميزاً , فيخير , ولا يشمله هذا الحديث , لحديث أبي هريرة رضي الله عنه : (أن النبي صلى الله عليه وسلم خير غلاماً بين أبيه وأمه) , وهو حديث صحيح كما بينته في الإرواء.

ومن شاء الاطلاع على الأحكام المستنبطة من هذا الحديث مع البسط والتحقيق , فليرجع إلى كتاب العلامة ابن القيم "زاد المعاد".


من الأدلة على أن وجه المرأة ليس بعورة

441- (مِنْ أَمَاثِلِ أَعْمَالِكُمْ إِتْيَانُ الْحَلَالِ , يعني النساء).

أخرجه أحمد , وأبو نعيم من طريق الطبراني في "الكبير" عَنْ مُعَاوِيَةَ يَعْنِي ابْنَ صَالِحٍ عَنْ أَزْهَرَ بْنِ سَعِيدٍ الْحَرَازِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا كَبْشَةَ الْأَنْمَارِيَّ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا فِي أَصْحَابِهِ فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ وَقَدْ اغْتَسَلَ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ كَانَ شَيْءٌ قَالَ أَجَلْ مَرَّتْ بِي فُلَانَةُ فَوَقَعَ فِي قَلْبِي شَهْوَةُ النِّسَاءِ فَأَتَيْتُ بَعْضَ أَزْوَاجِي فَأَصَبْتُهَا فَكَذَلِكَ فَافْعَلُوا فَإِنَّهُ مِنْ أَمَاثِلِ أَعْمَالِكُمْ إِتْيَانُ الْحَلَالِ , يعني النساء.

والظاهر من القصة وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (أجل ...) : أن المرأة كانت مكشوفة الوجه , فهو من الأدلة الكثيرة على أنه ليس بعورة , وهذا ما كنت حققته في كتابي " حجاب المرأة المسلمة " وقد طبع مرات , ثم زدته تحقيقاً إعداداً له لطبعة جديدة منقحة مزيدة , ثم طبع والحمد لله بعنوان " جلباب المرأة المسلمة " , والله ولي التوفيق.


قدمي المرأة عورة

460- (جريه شبرا . فقالت [أم سلمة] : إذا تنكشف القدمان ! قال: فجريه ذراعا).

أخرجه أبو يعلى في " مسنده " : ثنا إبراهيم بن الحجاج : ثنا حماد عن أيوب عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد عن أم سلمة : أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما قال في جر الذيل ما قال , قالت : يارسول الله فكيف بنا ؟ فقال : (فذكره).

في الحديث دليل على أن قدمي المرأة عورة , وأن ذلك كان أمراً معروفاً عند النساء في عهد النبوة , فإنه لما قال : (جريه شبراً) , قالت أم سلمة : (إذن تنكشف القدمان) , مما يشعر بأنها كانت تعلم أن القدمين عورة , لا يجوز كشفهما , وأقرها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ذلك , ولذلك أمرها أن تجره دراعاً.

وفي القرآن الكريم إشارة إلى هذه الحقيقة , وذلك في قوله تعالى : (وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ)النور31.

وراجع لهذا كتابنا "جلباب المرأة المسلمة" , بعنوانه الجديد.


لا يجوز للمرأة أن تتصرف بمالها الخاص بها إلا بإذن زوجها


775-(ليس للمرأة أن تنتهك شيئا من مالها إلا بإذن زوجها).

أخرجه تمام في(الفوائد)(10/182/2)، والطبراني(22/83/201و85/206)، وابن عساكر(4/24) من طرق صحيحة عن عنبسة عن حماد مولى بني أمية عن جناح مولى الوليد عن واثلة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، حماد مولى بني أمية كأنه مجهول، لم يذكروا فيه شيئاً سوى أن الأزدي تركه، وقد ذكر تمام أن اسم أبيه صالح، وهذه فائدة لم يذكروها في ترجمته، وكذلك لم يذكروا اسم والد شيخه جناح، وقد سماه تمام عباداً، وترجمته ابن أبي حاتم(1/1/537) برواية جماعة من الثقات عنه، وأورده ابن حبان في(الثقات)(4/118).

وعنبسة بن سعيد، الظاهر أنه أبان ابن سعيد بن العاص أبو خالد الأموي، وثقه الدار قطني.

والحديث عزاه السيوطي للطبراني في((الكبير)).وقال المناوي:

(قال الهيثمي:وفيه جماعة لم أعرفهم)).

قلت: ما فيهم مجهول سوى حماد، فتنبه.

لكن للحديث شواهد تدل على أنه ثابت، وبعضها حسن لذاته،وهو من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.وصححه الحاكم والذهبي.

وروي من حديث عبدا لله بن يحيى الأنصاري عن أبيه عن جده مرفوعاً.

رواه الطحاوي(2/403). ومن حديث عبادة بن الصامت.

أخرجه أحمد(5/327).

وسيأتي تخريج حديث الأنصاري برقم(820).

ثم وقفت له على شاهد مرسل قوي،ورواه عبد الرزاق(9/125/16607)بسند صحيح عن طاوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:فذكره بنحوه، وسيأتي لفظه(ص473).

ثم روى نحوه عن عكرمة مرسلا بلفظ ((...وصية في مالها...)).

وفيه رجل لم يسم.

قلت: وهذا الحديث-وما أشرنا إليه مما في معناه-يدل على أن المرأة لا يجوز لها أن تتصرف بمالها الخاص بها إلا بإذن زوجها، وذلك من تمام القوامة التي جعلها ربنا تبارك وتعالى له عليها،ولكن لا ينبغي للزوج-إذا كان مسلماً صادقاً- أن يستغل هذا الحكم-فيتجبر على زوجته ويمنعها من التصرف في مالها فيما لا ضير عليهما منه، وما أشبه هذا الحق بحق ولي البنت التي لا يجوز لها أن تزوج نفسها بدون إذن وليها، فإذا أعضلها رفعت الأمر إلي القاضي الشرعي لينصفها، وكذلك الحكم في مال المرأة إذا جار عليها زوجها فمنعها من التصرف المشروع في مالها، فالقاضي ينصفها أيضاً. فلا إشكال على الحكم نفسه، وإنما الإشكال في سوء التصرف به. فتأمل.
_______________

عون الودود لتيسير مافي السلسلة الصحيحة من الفوائد والردود
كتاب المرأة والنكاح وما يتعلق به و تربية الأولاد
منقول من شبكة سحاب


 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة