(5 - باب الغسل)
(5 - باب الغسل)
( [الفصل الأول: موجبات الغسل] )
(1 -[خروج المني] : وأصله تعميم البدن بالغسل:)
(يجب بخروج المني بشهوة ولو بتفكر) وقد دلت على ذلك الأدلة الصحيحة كأحاديث: " الماء من الماء "، وأحاديث: " في المني الغسل "، وصدق اسم الجنابة على من كان كذلك؛ وقد قال الله - تعالى -: {وإن كنتم جنبا فاطهروا} ، والاطهار استيعاب جميع البدن، بالغسل (1) . كذا في " المسوى ".
ولا أعلم في ذلك خلافاً، وإنما وقع الخلاف المشهور بين الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - وكذلك بين من بعدهم: هل يجب الغسل بالتقاء الختانين من دون خروج مني أم لا يجب إلا بخروج المني؟
والحق: الأول لحديث: " إذا جلس بين شعبها الأربع، ثم جهدها فقد وجب عليه الغسل "؛ أخرجه البخاري، ومسلم وغيرهما - رحمهم الله - من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
وأخرج نحوه مسلم، وأحمد، والترمذي - رحمهم الله تعالى، وصححه - من حديث عائشة - رضي الله تعالى عنها -.
فهذان الحديثان - وما ورد في معناهما - ناسخان لما كان في أول الإسلام من أن الغسل إنما يجب بخروج المني.
ويدل على ذلك حديث أبي بن كعب - رضي الله تعالى عنه -، قال: إن الفتيا التي كانوا يقولون: " الماء من الماء " رخصة كان رسول الله [صلى الله عليه وسلم] رخص بها في أول الإسلام، ثم أمرنا بالاغتسال بعدها.
وأخرج مسلم (2) - رحمه الله تعالى - من حديث عائشة - رضي الله تعالى عنها -: أن رجلا سأل رسول الله [صلى الله عليه وسلم] عن الرجل يجامع أهله ثم يكسل - وعائشة - رضي الله تعالى عنها - جالسة -؟ فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم] : " إني لأفعل ذلك أنا وهذه، ثم نغتسل ".
وقال في " الحجة البالغة ": " اختلف أهل الرواية هل يُحمل الإكسال - أي: الجماع من غير إنزال - على الجماع الكامل في معنى قضاء الشهوة - أعني ما يكون معه الإنزال -؟ والذي صح رواية، وعليه جمهور الفقهاء: هو أن من جهد فقد وجب عليهما الغسل، وإن لم ينزل.
واختلفوا في كيفية الجمع بين هذا الحديث، وحديث: " إنما الماء من الماء ":
فقال ابن عباس - رضي الله تعالى عنه -: للاحتلام.
وفيه ما فيه {لأنه يأباه سبب ورود الحديث كما أخرجه مسلم.
وقال أبي - رضي الله تعالى عنه -: كانت رخصة في أول الإسلام، ثم نهي عنها.
وقد روي (3) عن عثمان وعلي وطلحة والزبير وأبي بن كعب وأبي أيوب - رضي الله تعالى عنهم - فيمن جامع امرأته ولم يُمْن، قالوا: يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره "، ورفع ذلك إلى النبي [صلى الله عليه وسلم] .
ولا يبعد عندي أن يُحمل ذلك على المباشرة الفاحشة؛ فإنه قد يطلق الجماع عليها.
قلت: على هذا أكثر أهل العلم: أن غسل الجنابة يجب بأحد الأمرين: إما بإدخال الحشفة في الفرج، أو بخروج الماء الدافق من الرجل أو المرأة.
__________
(1) في كل الطبعات: " فالغسل "!
(2) (برقم 350) .
وانظر " سنن الدارقطني " (1 / 112) ، و " السلسلة الضعيفة " (976) ، وكتابي " دراسات علمية في صحيح مسلم " (123 - 125) .
(3) رواه البخاري (179) ، ومسلم (347) عن زيد بن خالد الجهني.
__________________________
(2 -[التقاء الختانين] :)
(بالتقاء الختانين) وعلى هذا أكثر أهل العلم: أن من جامع امرأته فغيّب الحشفة؛ وجب الغسل عليهما وإن لم ينزل.
والختان: موضع القطع من ذكر الغلام، ونواة (1) الجارية.
__________
(1) كذا} والصواب: النوى؛ وهو ما يبقى من المخفض بعد ختان الجارية.
انظر " لسان العرب المحيط " (3 / 752) .
__________________________
(3 -[انقطاع الحيض] ، 4 -[والنفاس] :)
(وبانقطاع الحيض والنفاس) ولا خلاف في ذلك.
وقد دل عليه نص القرآن ومتواتر السنة، وكذلك وقع الإجماع على وجوبه بانقطاع النفاس.
(5 -[الاحتلام مع وجود بلل] :)
(و) كذلك وقع الإجماع على وجوبه (بالاحتلام) ؛ إلا ما يُحكى عن النخعي - رحمه الله تعالى -، ولكنه إنما يجب إذا وجد المحتلم بللاً.
(مع وجود بلل) : كما في حديث عائشة - رضي الله عنها -، قالت: سئل رسول الله [صلى الله عليه وسلم] عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاماً؟ فقال: " يغتسل "، وعن الرجل يرى أن قد احتلم ولا يجد البلل؟ فقال: " لا غسل عليه "؛ أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه - رحمهم الله - ورجاله رجال الصحيح؛ إلا عبد الله بن عمر العمري؛ وفيه مقال خفيف (1) .
وأخرج نحوه أحمد والنسائي - رحمهما الله - من حديث خولة بنت حكيم - رضي الله تعالى عنها -.
وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما - رحمهم الله تعالى - من حديث أم سلمة - رضي الله تعالى عنها -: أن أم سليم - رضي الله تعالى عنها - قالت:
يا رسول الله! إن الله لا يستحيي من الحق؛ فهل على المرأة الغسل إذا احتلمت؟ قال: " نعم؛ إذا رأت الماء ".
وهذه الأحاديث ترد على من اعتبر أن يحصل للمحتلم شهوة ويتيقن ذلك.
والمراد من البلل المني، فإن رأى بللاً ولم يتيقن أنه مني؛ لم يجب الغسل عند أكثر أهل العلم.
قال في " الحجة ": " أراد الحكم على البلل دون الرؤيا؛ لأن الرؤيا تكون تارة حديث نفس، ولا تأثير له، وتارة تكون قضاء شهوة، ولا تكون بغير بلل، فلا يصلح لإدارة الحكم إلا البلل.
وأيضا؛ فإن البلل شيء ظاهر يصلح للانضباط، وأما الرؤيا فإنها كثيراً ما تُنسى ". انتهى.
__________
(1) هو حديث حسن، فانظر " صحيح سنن ابن ماجه " (612) .
__________________________
(6 -[الموت] :)
(وبالموت) : المراد وجوب ذلك على الأحياء؛ إذ لا وجوب بعد الموت من الواجبات المتعلقة بالبدن؛ أي: يجب على الأحياء أن يغسلوا من مات.
وقد حكى المهدي في " البحر " والنووي - رحمه الله -، الإجماع على وجوب غسل الميت، وناقش في ذلك بعض المتأخرين مناقشة واهية.
وسيأتي الكلام على غسل الميت، وصفته وتفاصيله - إن شاء الله تعالى -.
وفي " الحجة ": وأما غسل الميت: فلأن الرشاش ينتشر في البدن.
وجلست عند محتضر، فرأيت أن الملائكة الموكلة بالقبض لها نكاية عجيبة في المحتضرين، ففهمت أنه لا بد من تغيير الحالة لتنبه النفس لمخالفها.
(7 -[إسلام الكافر] :)
(وبالإسلام) : وجهه ما أخرجه أحمد، والترمذي، والنسائي، وأبو داود، وابن حبان، وابن خزيمة - رحمهم الله - عن قيس بن عاصم - رضي الله عنه -: أنه أسلم، فأمره النبي [صلى الله عليه وسلم] أن يغتسل بماء وسدر.
وصححه ابن السكن - رحمه الله -.
وأخرج أحمد وعبد الرزاق، والبيهقي، وابن خزيمة، وابن حبان - رحمهم الله - من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن ثمامة - رضي الله تعالى عنه - أسلم، فقال النبي [صلى الله عليه وسلم] : " اذهبوا به إلى حائط بني فلان، فمروه أن يغتسل " (1) .
وأصله في " الصحيحين "، وليس فيهما الأمر بالاغتسال، بل فيهما أنه اغتسل.
قال في " الحجة ": قال (2) لآخر: " ألق عنك شعر الكفر "؛ وسره أن يتمثل عنده الخروج من شيء، أصرح ما يكون، والله تعالى أعلم. انتهى.
وقد ذهب إلى الوجوب أحمد بن حنبل وأتباعه - رحمهم الله -.
وذهب الشافعي - رحمه الله - إلى عدم الوجوب.
والحق الأول.
ويؤيده ما وقع منه [صلى الله عليه وسلم] من الأمر بالغسل عند الإسلام لواثلة بن الأسقع، وقتادة الرهاوي - رضي الله عنه - كما أخرجه الطبراني - رحمه الله -، وأمره أيضا لعقيل بن أبي طالب - رضي الله عنه -، كما أخرجه الحاكم - رحمه الله - في " تاريخ نيسابور "؛ وفي أسانيدها مقال (3) .
__________
(1) انظر " التلخيص الحبير " (2 / 68) .
(2) أي: النبي [صلى الله عليه وسلم] .
والحديث صحيح؛ فانظر " الإرواء " (79) .
(3) قال نحوه الحافظ في " التلخيص " (2 / 68) .
__________________________
( [الفصل الثاني: كيفية الغسل] )
( [تعريف الغسل] :)
(والغسل الواجب هو أن يفيض الماء على جميع بدنه، أو ينغمس فيه) أقول: الغسل شرعاً ولغة هو ما ذُكر.
وقد وقع النزاع في دخول الدلك في مسمى الغسل؛ ولكنه لا يخفى أن مجرد بل الثوب أو البدن من دون دلك لا يسمى غسلاً، كما يفهم ذلك من الاستعمالات العربية، وكما يفيد ذلك ما تقدم في بول الصبي: أنه [صلى الله عليه وسلم] أتبعه الماء ولم يغسله؛ وهو في " صحيح مسلم " - رحمه الله -، وغيره.
( [وجوب المضمضة والاستنشاق] :)
(مع المضمضة والاستنشاق) : فقد ثبتا في الغسل من فعله [صلى الله عليه وسلم] ، ووجه الوجوب ما قدمناه في الوضوء.
وفيهما وفي السواك إزالة المخاط والبَخر.
(والدلك لما يمكن دلكه، ولا يكون شرعياً إلا بالنية لرفع موجبه) لما قدمناه في الوضوء.
( [مندوبية الوضوء قبل الغسل ما عدا غسل القدمين] :)
(ونُدب) لا أنه وجب؛ لأنه يصدق الغسل ويوجد مسماه بالإفاضة على جميع البدن من غير تقدم.
(تقديم غسل أعضاء الوضوء إلا القدمين) : لما قد ثبت في " الصحيحين " وغيرهما: أنه كان [صلى الله عليه وسلم] إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه، ثم يفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يفيض على سائر جسده، ثم يغسل رجليه، وهو من حديث عائشة - رضي الله عنها -.
وورد في " الصحيحين " وغيرهما من حديث ميمونة - رضي الله عنها - بلفظ: أنه [صلى الله عليه وسلم] أفرغ على يديه، فغسلهما مرتين أو ثلاثاً، ثم أفرغ بيمينه على شماله فغسل مذاكيره، ثم دلك يده بالأرض، ثم مضمض واستنشق، ثم غسل وجهه ويديه، ثم غسل رأسه ثلاثاً، ثم أفرغ على جسده، ثم تنحى من مقامه، فغسل قدميه.
وثبت عنه [صلى الله عليه وسلم] : أنه كان لا يتوضأ بعد الغسل، كما أخرجه أحمد وأهل " السنن " - رحمهم الله -.
وقال الترمذي - رحمه الله -: حسن صحيح.
وأخرجه البيهقي - رحمه الله - أيضا بأسانيد جيدة.
وقد روى ابن أبي شيبة - رحمه الله -، عن ابن عمر - رضي الله عنه -، مرفوعاً وموقوفاً؛ أنه قال - لما سئل عن الوضوء بعد الغسل -: وأي وضوء أعم من الغسل؟ { (1)
وروي عن حذيفة - رضي الله عنه -، أنه قال: أما يكفي أحدكم أن يغتسل من قرنه إلى قدمه، حتى يتوضأ؟} (2)
وقد روي نحو ذلك عن جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم - ومن بعدهم، حتى قال أبو بكر ابن العربي: إنه لم يختلف العلماء أن الوضوء داخل تحت الغسل، وأن نية طهارة الجنابة تأتي على طهارة الحدث.
وهكذا نقل الإجماع ابن بطّال - رحمه الله -.
وتُعقِّب بأنه قد ذهب جماعة - منهم أبو ثور، وداود، وغيرهما - رحمهم الله - إلى أن الغسل لا ينوب عن الوضوء.
وأما كون تقديم أعضاء الوضوء غير واجب: فلأنه يصدق الغسل ويوجد مسماه بالإفاضة على جميع البدن؛ من غير تقديم.
( [يستحب التيامن] :)
(ثم التيامن) : لثبوته عنه [صلى الله عليه وسلم] قولاً وفعلاً، عموماً وخصوصاً:
فمن العموم ما ثبت في " الصحيح ": " أنه [صلى الله عليه وسلم] كان يعجبه التيمن في تنعله، وترجله، وطهوره، وفي شأنه كله ".
ومن الخصوص ما ثبت في " الصحيحين " وغيرهما: أنه بدأ بشق رأسه الأيمن، ثم الأيسر في الغسل.
وقد ثبت من قوله ما يفيد ذلك؛ ولا خلاف في استحباب التيامن.
__________
(1) وقد روي - بهذا اللفظ - مرفوعاً، وهو ضعيف! انظر " ضعيف الجامع الصغير وزيادته " (6115) .
(2) انظر " مصنف ابن أبي شيبة " (1 / 68 و 69) .
__________________________
(فصل: [الأغسال المسنونة] )
(1 -[غسل الجمعة] :)
(ويُشرع) ؛ أي: الغسل (لصلاة الجمعة) لحديث: " إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل "، وهو في " الصحيحين " وغيرهما من حديث ابن عمر - رضي الله عنه -.
وقد تلقت الأمة هذا الحديث بالقبول،
ورواه عن نافع - رحمه الله - نحو ثلاث مئة نفس.
ورواه من الصحابة - غير ابن عمر؛ رضي الله عنه - نحو أربعة وعشرين صحابياً.
وقد ذهب إلى وجوبه جماعة.
قال النووي - رحمه الله -: حُكي وجوبه عن طائفة من السلف - رحمهم الله -، حكوه عن بعض الصحابة - رضي الله عنهم -، وبه قال أهل الظاهر،
وحكاه ابن المنذر عن أبي هريرة وعمار - رضي الله عنه -، ومالك، وحكاه الخطابي عن الحسن البصري، وحكاه ابن حزم عن جمع من الصحابة - رضي الله عنهم - ومن بعدهم.
وذهب الجمهور إلى أنه مستحب، واستدلوا بحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عند مسلم بلفظ: " من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت؛ غفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة وزيادة ثلاثة (1) أيام "
وبحديث سمرة - رضي الله عنه، أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال: " من توضأ للجمعة؛ فبها ونِعمت، ومن اغتسل فذلك أفضل "؛ أخرجه أحمد، وأبو داود، والنسائي، والترمذي - رحمهم الله -، وفيه مقال مشهور، وهو عدم سماع الحسن - رحمه الله - من سمرة - رحمه الله - (2) ؛ وغير ذلك من الأحاديث،
قالوا: وهي صارفة للأمر إلى الندب.
ولكنه إذا كان ما ذكروه صالحاً لصرف الأمر؛ فهو لا يصلح لصرف مثل قوله [صلى الله عليه وسلم] : " حق (3) على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوماً؛ يغسل فيه رأسه وجسده "؛ وهو في " الصحيحين " وغيرهما من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
وقد استوفى الماتن - رحمه الله - الكلام على حكم غسل الجمعة في " نيل الأوطار "، فليرجع إليه.
ولا يخفى أن تقييد الغسل بالمجيء للجمعة يدل على أنه للصلاة لا لليوم.
__________
(1) قال ابن حجر في " الفتح ": " ليس فيه نفي الغسل، وقد ورد من وجه آخر في " الصحيح " بلفظ: " من اغتسل "؛ فيحتمل أن يكون ذكر الوضوء لمن تقدم غسله على الذهاب، فاحتاج إلى إعادة الوضوء ". انتهى (ش) .
(2) ولكن له شواهد تحسنه؛ فانظر تعليق شيخا على " صحيح ابن خزيمة " (1757) .
(3) قارن بالحديث الذي أورده شيخنا في " الصحيحة " (1796) وتفقه فيهما!
__________________________
(2 -[غسل العيدين] :)
(وللعيدين) : فقد روي من فعله [صلى الله عليه وسلم] من حديث الفاكه بن سعد - رضي الله عنه -: أنه [صلى الله عليه وسلم] كان يغتسل يوم الجمعة ويوم الفطر ويوم النحر؛ أخرجه أحمد، وابن ماجه، والبزار، والبغوي (1) - رحمه الله -.
وأخرج نحوه ابن ماجه (2) - رحمه الله - من حديث ابن عباس - رضي الله عنه -.
وأخرجه البزار (3) - رحمه الله - من حديث أبي رافع - رضي الله عنه -.
وفي أسانيدها ضعف، ولكنه يقوي بعضها بعضاً (4) ، ويقوي ذلك آثار عن الصحابة - رضي الله عنهم - جيدة (5) .
أقول: قد روي في ذلك أحاديث لم يصح منها شيء، ولا بلغ شيء.
منها إلى رتبة الحسن لذاته ولا لغيره.
وأما اعتبار كون المغتسل يصلي صلاة العيد بذلك الغسل - أي: من دون أن يتخلل بين الغسل وبين الصلاة شيء من الأحداث -: فلا أحفظ فيه حديثاً صحيحاً ولا ضعيفاً ولا قول صحابي،
وما أحسن الاقتصار على ما ثبت، وإراحة العباد مما لم يثبت (6) .
__________
(1) وهو حديث موضوع، انظر " الإرواء " (146) .
وانظر " التلخيص الحبير " (2 / 80) ، و " الدراية " (1 / 5) .
(2) وهو ضعيف جدا، وانظر " المرجع السابق ".
(3) (برقم: 648 - " كشف الأستار ")
وقد ضعفه الهيثمي في " المجمع " (2 / 198) .
(4) قال البزار: " لا أحفظ في الاغتسال في العيدين حديثاً صحيحاً ".
(5) انظرها في رسالتي " أحكام العيدين في السنة المطهرة " (34 - 35) .
(6) إي والله!
__________________________
(3 -[من غسل الميت] :)
(ولمن غسل ميتاً) : وجهه ما أخرجه أحمد، وأهل " السنن " - رحمهم الله - من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً: " من غسل ميتا فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ "، وقد روي من طرق، وأعل بالوقف، وبأن في إسناده صالحاً - مولى التوأمة - رحمه الله -.
ولكنه قد حسنه الترمذي - رحمه الله -، وصححه ابن القطان - رحمه الله -، وابن حزم.
وقد روي من غير طريق (1) .
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: هو - لكثرة طرقه - أسوأ أحواله أن يكون حسنا، فإنكار النووي - رحمه الله - على الترمذي رحمه الله تحسينه معترض.
وقال الذهبي - رحمه الله -: هو أقوى من عدة أحاديث احتج بها الفقهاء - رحمهم الله -.
وذكر الماوردي - رحمه الله - أن بعض أصحاب الحديث - رحمهم الله - خرّج لهذا الحديث مئة وعشرين طريقا.
وقد روي نحوه عن علي - رضي الله عنه - عند أحمد، وأبي داود، والنسائي، وابن أبي شيبة، وأبي يعلى، والبزار، والبيهقي - رحمهم الله -، وعن حذيفة - رضي الله عنه - عند البيهقي - رحمه الله -.
قال ابن أبي حاتم - والدارقطني، رحمهما الله -: لا يثبت.
وعن عائشة - رضي الله عنها - من فعله [صلى الله عليه وسلم] عند أحمد، وأبي داود - رحمهما الله -.
وقد ذهب إلى الوجوب علي وأبو هريرة - رضي الله عنهما -، والإمامية.
وذهب الجمهور إلى أنه مستحب فقط.
قالوا: وهذا الأمر المذكور في الحديث السابق مصروف عن الوجوب بحديث: " إن ميتكم يموت طاهراً؛ فحسبكم أن تغسلوا أيديكم " (2) ؛ أخرجه البيهقي، وحسنه ابن حجر - رحمهما الله -، ولحديث: كنا نغسل الميت؛ فمنا من يغتسل ومنا من لا يغتسل؛ أخرجه الخطيب - رحمه الله -، عن ابن عمر - رضي الله عنه -، وصحح ابن حجر أيضا إسناده (3) ، ولما وقع من الفتيا من الصحابة - رضي الله عنهم - لأسماء بنت عميس - امرأة أبي بكر؛ رضي الله عنه - لما غسلته فقالت لهم: إن هذا يوم شديد البرد؛ وأنا صائمة؛ فهل علي من غسل؟ قالوا: لا. رواه مالك - رحمه الله - في " الموطأ " (4) .
__________
(1) فهو ثابت، وانظر " تهذيب السنن " (4 / 306) لابن القيم، و " أحكام الجنائز " (71) .
(2) والأرجح في هذا الحديث الوقف، وانظر التعليق الآتي.
(3) انظر تحقيق ذلك كله في " أحكام الجنائز " (71 - 72) .
(4) (1 / 223 - رواية يحيى الليثي) .
وانظر " شرح الزرقاني على الموطأ " (2 / 52) .
__________________________
(4 -[الإحرام] :)
(وللإحرام) : لحديث زيد بن ثابت - رضي الله عنه -: أنه رأى النبي [صلى الله عليه وسلم] تجرد لإهلاله واغتسل؛ أخرجه الترمذي، والدارقطني، والبيهقي، والطبراني - وحسنه الترمذي -، وضعفه العقيلي - رحمهم الله -.
ولعل وجه التضعيف كون عبد الله بن يعقوب المدني (1) في إسناده.
قال ابن الملقن في " شرح المنهاج ": لعل الترمذي - رحمه الله - حسنه؛ لأنه عرف عبد الله بن يعقوب؛ أي: عرف حاله.
وفي الباب عن عائشة - رضي الله عنها - عند أحمد - رحمه الله -، وعن أسماء - رضي الله عنها - عند مسلم - رحمه الله -.
وقد ذهب إلى استحباب غسل الإحرام الجمهور.
وقال الحسن البصري - رحمه الله -، ومالك - رحمه الله -: إنه محتمل.
__________
(1) وليس فيه توثيق معتد به، ولكن روى عنه جماعة ثقات.
والحديث شواهده عدة؛ كما ذكر المصنف - بعد -.
__________________________
(5 -[لدخول مكة] :)
(ولدخول مكة) المكرمة - حرسها الله تعالى -؛ لما أخرجه مسلم عن ابن عمر - رضي الله عنه -: أنه كان لا يدخل مكة إلا بات بذي طُوى، حتى يصبح ويغتسل، ثم يدخل مكة نهارا، ويذكر عن النبي [صلى الله عليه وسلم] أنه فعله.
وأخرج البخاري - رحمه الله - معناه.
قال في " الفتح ": قال ابن المنذر: الاغتسال عند دخول مكة مستحب عند جميع العلماء، وليس في تركه عندهم فدية.
وقال أكثرهم: يجزئ عنه الوضوء.
تعليقات
إرسال تعليق