الفصلُ الثاني : كيفيَّةُ الطلَبِ والتلَقِّي
الفصلُ الثاني : كيفيَّةُ الطلَبِ والتلَقِّي
كيفيَّةُ الطلَبِ ومَراتِبُه: (مَن لم يُتْقِن الأصولَ، حُرِمَ الوُصولَ)، (ومَن رامَ العلْمَ جُملةً، ذَهَبَ عنه جُمْلَةً)، وقيلَ أيضًا: ( ازدحامُ العِلْمِ في السمْعِ مَضَلَّةُ الفَهْمِ ) .
وعليه فلا بُدَّ من التأصيلِ والتأسيسِ لكلِّ فَنٍّ تَطْلُبُه، بضَبْطِ أصْلِه ومُختصَرِه على شيخٍ مُتْقِنٍ، لا بالتحصيلِ الذاتيِّ وَحْدَه؛ وآخِذًا الطلَبَ بالتدَرُّجِ .
قالَ اللهُ تعالى: { وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا}، وقالَ تعالى : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا }، وقالَ تعالى : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ }.
كيفية الطلب وهذا أيضا مهم ليبني الإنسان على أصول ولا يتخبط خبط عشواء يقول: (من لم يتقن الأصول حرم الوصول) وقيل بعبارة أخرى: من فاته الأصول حرم الوصول، لأن الأصول هي العلم والمسائل فروع، كأصل الشجرة وأغصانها إذا لم تكن الأغصان على أصل جيد فإنها تذبل وتهلك، فلا بد من أن يبني الإنسان علمه على أصول. فما هي الأصول ؟ هل هي الأدلة الصحيحة؟ أو هي القواعد والضوابط؟ أو هذا وهذا ؟ الثاني هو المراد، تبني على أصول من الكتاب والسنة وتبني على قواعد وضوابط مأخوذة بالتتبع والاستقراء من الكتاب والسنة ترجع إليها أحكام الكتاب والسنة، وهذه من أهم ما يكون لطالب العلم مثلاً (المشقة تجلب التيسير) هذا أصل من الأصول مأخوذ من الكتاب والسنة، من الكتاب من قوله تعالى: { وما جعل عليكم في الدين من حرج } من السنة قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعمران ابن حصين: ((صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب )). وقال: (( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم )) هذا أصل لو جاءتك ألف مسألة بصور متنوعة لأمكنك أن تحكم على هذه المسائل بناء على هذا الأصل، لكن لو لم يكن عندك هذا الأصل وتأتيك مسألتان أشكل عليك الأمر.
كذلك أيضا يقول: (من رام العلم جملة ذهب عنه جملة) هذا أيضا له وجه صحيح إذا أراد الإنسان أن يأخذ العلم جميعا فإنه يفوته العلم جميعا، لا بد أن تأخذ العلم شيئا فشيئا كسلم تصعد إليه من الأرض إلى السقف ليس العلم مأكولا كتبت فيه العلوم فتأكله وتقول خلاص هضمت العلم، لا العلم يحتاج مرونة وصبر وثبات وتدرج.
وقيل أيضا (التحام العلم في السمع مضلة الفهم ) يعني لكثرة ما تسمع من العلوم توجب أن تضل في فهمك وهذا أيضا ربما يكون صحيح أن الإنسان إذا ملأ سمعه مما يسمع أو ملأ بصره مما يقرأ ربما تزدحم العلوم عليه ثم تشتبك ويعجز عن التخلص منها.
وقال: (وعليه فلا بُدَّ من التأصيلِ والتأسيسِ لكلِّ فَنٍّ تَطْلُبُه، بضَبْطِ أصْلِه ومُختصَرِه على شيخٍ مُتْقِنٍ) ، لا بد من هذا (على شيخ متقن)، ليس على شيخ أعلى منك بقليل لأن بعض الناس إذا رأى طالبا من الطلبة يتميز عنهم بشيء من التميز جعله شيخه، وعنده شيوخ أعلم من هذا بكثير لكن يجعل هذا الصغير شيخه لأنه بزه في شيء من المسائل العلمية وهذا غير صحيح بل اختر المشايخ ذوي الإتقان وأيضا نضيف إلى الإتقان وصف آخر وهو الأمانة، لأن الإتقان قوة والقوة لابد فيها من أمانة {إن خير من استأجرت القوي الأمين} ربما يكون العالم عنده إتقان وعنده سعة علم وعنده قدرة على التقريب وعلى التقسيم وعلى كل شيء لكن ليس عنده أمانة فربما أضلك من حيث لا تشعر.
لا بالتحصيل الذاتي وحده: يعني لا تأخذ العلم بالتحصيل الذاتي يعني أن تقرأ الكتب فقط دون أن يكون لك شيخ معتمد ولهذا قيل: (من دليله كتابه خطؤه أكثر من صوابه) أو: (غلب خطأه صوابه) هذا هو الأصل، الأصل أن من اعتمد على التحصيل الذاتي وعلى مراجعة الكتب الغالب والأصل أنه يضل لأنه يجد بحرا لا ساحل له ويجد عمقا لا يستطيع التخلص فيه أما من أخذ عن عالم وشيخ فإنه يستفيد فائدتين عظيمتين:
الفائدة الأولى: قصر المدة، والفائدة الثانية قلة التكلف، وهناك فائدة ثالثة: والفائدة الثالثة أن ذلك أحرى بالصواب؛ لأن هذا الشيخ قد علم وتعلم ورجح وفهم فيعطيك الشيء ناضجا لكنه يمرنك إذا كان عنده شيء من الأمانة يمرنك على المراجعة والمطالعة، أما من اعتمد على الكتب فإنه لا بد يكرث جهوده ليلا ونهارا ثم إذا طالع الكتب التي يقارن فيها بين أقوال العلماء فسيقت أدلة هؤلاء وسيقت أدلة هؤلاء من يدله على أن هذا الأصوب؟ يبقى متحيرا ولهذا نرى أن ابن القيم رحمه الله عندما يناقش قولين لأهل العلم سواء في زاد المعاد أو في أعلام الموقعين إذا ساق أدلة هذا القول وعلله تقول خلاص هذا هو القول الصواب ولا يجوز العدول عنه بأي حال من الأحوال ثم ينقض ويأتي بالقول المقابل ويذكر أدلته وعلله فتقول هذا هو القول الصواب، الأول ما عنده علم لكن لا بد من أن يكون قراءتك على شيخ متقن أمين.
قال( وآخِذًا الطلَبَ بالتدَرُّجِ) ثم استدل بالآيات: قالَ اللهُ تعالى: { وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا }، { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا } ، قوله: { لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً }.
المعروف أن نزل لما ينزل شيئا فشيئا، وأن أنزل لما نزل جملة واحدة، فلماذا قال الذين كفروا: (لولا نزل) ولم يقولوا (لولا أنزل) علينا القرآن جملة واحدة؟ نقول قالوا ذلك باعتبار واقع القرآن أنه منزل شيئا فشيئا.
وقوله: { كذلك } الجار والمجرور متعلق بمحذوف والتقدير: أنزلناه، كذلك وجملة (لنثبت) تعليل متعلق بالفعل المحذوف.
وقال تعالى : { الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده} (الذين آتيناهم الكتاب) يعني أعطيناهم إياه، وأنزلناه إليهم يتلونه حق تلاوته والتلاوة هنا تشمل التلاوة اللفظية والتلاوة الحكمية، فأما التلاوة اللفظية يعني يقرأوه بألسنتهم، وأما التلاوة الحكمية بأن يصدقوا بأخباره ويلتزموا بأحكامه، وقوله {حق تلاوته} من باب إضافة الصفة إلى الموصوف، يعني تلاوة الحقة الصحيحة .
فأمامَك أمورٌ لا بُدَّ من مُراعاتِها في كلِّ فنٍّ تَطْلُبُه :
أولا: حفْظُ مُخْتَصَرٍ فيه .
ثانيا: ضبْطُه على شيخٍ متْقِنٍ .
ثالثا: عدَمُ الاشتغالِ بالْمُطَوَّلاتِ وتَفاريقِ الْمُصَنَّفاتِ قبلَ الضبْطِ والإتقانِ لأَصْلِه .
رابعا: لا تَنْتَقِلْ من مُخْتَصَرٍ إلى آخَرَ بلا مُوجِبٍ ، فهذا من بابِ الضَّجَرِ .
خامسا: اقتناصُ الفوائدِ والضوابِطِ العِلْمِيَّةِ .
سادسا: جَمْعُ النفْسِ للطلَبِ والترَقِّي فيه، والاهتمامُ والتحَرُّقُ للتحصيلِ والبلوغِ إلى ما فوقَه حتى تَفيضَ إلى الْمُطَوَّلاتِ بسَابِلَةٍ مُوَثَّقَةٍ .
هذه أمور لا بد من مراعاتها كما قال الشيخ:
(أولا : حفظ مختصر فيه)، فمثلا إذا كنت تطلب النحو فاحفظ مختصرا فيه إن كنت مبتدأ فلا أرى أحسن من متن الآجرومية لأنه واضح وجامع وحاصر وفيه بركة، ثم متن الألفية ألفية ابن مالك لأنها خلاصة علم النحو كما قال هو نفسه:
أحصى من الكافية الخلاصة = كما اقتضى فنا بلا خصاصة
وفي الفقه احفظ زاد المستنقع لأن هذا الكتاب مخدوم بالشروح والحواشي والتدريس وإن كان بعض المتون الأخرى أحسن منه من وجه لكنه هو أحسن منهما من وجه آخر من حيث كثرة المسائل الموجودة فيه ومن حيث أنه مخدوم بالشروح والحواشي وغير ذلك .
في الحديث: متن عمدة الأحكام وإن ترقيت فبلوغ المرام وإذا كنت تقول إما هذا أو هذا فبلوغ المرام أحسن لأنه أخصر ولأن الحافظ ابن حجر رحمه الله يبين درجة الحديث وهذا مفقود بالنسبة لعمدة الأحكام وإن كان درجة الحديث فيها معروفة لأنه لم يضع في هذا الكتاب إلا ما اتفق عليه الشيخان البخاري ومسلم .
في التوحيد: من أحسن ما قرأنا كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن الوهاب وقد يسر الله تعالى في الآوانة الأخيرة من خرج أحاديثه وبين ما في بعضها من ضعف والحق أحق أن يتبع .
في الأسماء والصفات: من أحسن ما ألف فيما قرأت العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية فهو كتاب جامع مبارك مفيد وهلم جرا. خذ من كل فن تريد طلبه كتابا مختصرا فيه واحفظه.
(ثانيا: ضبطه على شيخ متقن) ولو قال: ضبطه وشرحه لكان أولى لأن المقصود ضبطه وتحقيق ألفاظه وما كان زائدا أو ناقصا وكذلك الشرح، استشرح هذا المتن على شيخ متقن وكما قلنا فيما سبق إنه يجب أن يضاف إلى الإتقان صفة أخرى وهي الأمانة لأن هذه من أهم ما يكون وأنتم تعلمون أن ذكر القوة والأمانة في القرآن متعدد لأن عليهما مدار العمل فقد قال العفريت من الجن { أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين } وقال صاحب مدين ، بل قالت ابنته: { يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين } وقال الله تعالى في وصف جبريل: {ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين} فعلى هذين الوصفين القوة والأمانة تبنى الأعمال كلها فلا بد من شيخ متقن ويكون أمينا،
(الثالث: عدم الاشتغال بالمطولات) وهذه أعني الفقرة الثالثة مهمة جدا لطالب العلم أن يتقن المختصرات أولا حتى ترسخ العلوم في ذهنه ثم بعد ذلك يفيض إلى المطولات لكن بعض الطلبة قد يغرب فيطالع المطولات ثم إذا جلس مجلسا قال: قال صاحب المغني قال صاحب المجموع قال صاحب الإنصاف قال صاحب الحاوي ليظهر أنه واسع الاطلاع وهذا خطأ نحن نقول ابدأ بالمختصرات أولا حتى ترسخ العلوم في ذهنك ثم إذا من الله عليك فاشتغل بالمطولات ولهذا قال: عدم الاشتغال بالمطولات وتفاريق المصنفات قبل الضبط والإتقان لأصله أي لأصل ذلك العلم وانتبه لهذه المسألة إياكم أن تشغلوا أنفسكم بالمطولات قبل إتقان ما دونها وقياس ذلك في الأمر المخصوص أن ينزل من لم يتعلم السباحة إلى بحر عميق فإنه لا يستطيع أن يتخلص فضلا عن أن يتقن .
(الرابع: لا تنتقل من مختصر إلى آخر بلا موجب فهذا من باب الضجر) وهذه أيضا آفة يعني التنقل من مختصر إلى آخر أو من كتاب فوق المختصر إلى آخر هذه آفة عظيمة تقطع على الطالب طلبه وتضيع عليه أوقاته، كل يوم له كتاب بل كل ساعة له كتاب، هذا خطأ إذا عزمت على أن يكون قرارك الكتاب الفلاني فاستمر لا تقل أقرأ كتابا أو فصلا من هذا الكتاب ثم أنتقل إلى آخر فإن هذا مضيعة للوقت ويقول: بلا موجب. أما إذا كان هناك موجب كما لو لم تجد أحد يدرسك في هذا المختصر ورأيت شيخا موثوقا في إتقانه وأمانته يدرس مختصر آخر فهذا ممكن لا حرج عليك أن تنتقل من هذا إلى هذا.
(خامسا: اقتناص الفوائد والضوابط العلمية ) وهذا أيضا من أهم ما يكون، الفوائد التي لا تكاد تطرأ على الذهن أو التي يندر ذكرها والتعرض لها أو التي تكون مستجدة تحتاج إلى بيان الحكم فيها هذه اقتنصها واضبطها بالكتابة قيد، لا تقل هذا أمر معلوم عندي ولا حاجة أن أقيده أنا إن شاء الله ما أنساه فإنك سرعان ما تنسى وكم من فائدة تمر بالإنسان فيقول هذه سهلة لا تحتاج إلى قيد ثم بعد مدة وجيزة يتذكرها ولا يجدها لذلك احرص على اقتناص الفوائد التي يندر وقوعها أو التي يتجدد وقوعها أما الضوابط فناهيك بها. أيضا احرص على الاهتمام بالضوابط ومن الضوابط ما يذكره الفقهاء تعليلا للأحكام فإن كل التعليلات للأحكام الفقهية تعتبر ضوابط لأنها تنبني عليها الأحكام فهذه أيضا احتفظ بها ولولا أنني سمعت أن بعض الإخوان الآن يتتبع هذه الضوابط في الروض المربع ويحررها لقلت من الحسن أن نكلف طائفة منكم بالقيام بهذا العمل تتبع الروض المربع من أوله إلى آخره كل ما ذكر علة يقيدها لأن كل علة ينبني عليها مسائل كثيرة إذ أن العلة ضابط يدخل تحته جزئيات كثيرة مثلا: إذا قال: إذا شك في طهارة الماء من نجاسته فإنه يبني على اليقين هذه على كل حال تعتبر حكما وتعتبر ضابطا أيضا، لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان إذا ما شك في نجاسة طاهر، فهو طاهر، أو في طهارة نجس فهو نجس لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان، ولو أن الإنسان كل ما مر عليه مثل هذه التعليلات حررها وضبطها ثم حاول في المستقبل أن يبني عليها مسائل جزئية لكان في هذا فوائد كثيرة له ولغيره.
(سادسا: جَمْعُ النفْسِ للطلَبِ والترَقِّي فيه، والاهتمامُ والتحَرُّقُ للتحصيلِ والبلوغِ إلى ما فوقَه حتى تَفيضَ إلى الْمُطَوَّلاتِ بسَابِلَةٍ مُوَثَّقَةٍ) هذا أيضا مهم أن الإنسان يجمع نفسه للطلب فلا يشتتها يمينا ويسارا يوما يطلب العلم ثم يوم يفكر يقول أفتح مكتبة، الناس رزقهم الله ويوم ثان يقول أروح إلى بيع الخضار، هذا ليس بصحيح اجمع النفس على الطلب ما دمت مقتنعا بأن هذا منهجك وسبيلك فاجمع نفسك عليه، وأيضا اجمع نفسك على الترقي فيه لا تبقى ساكنا فكر فيما وصل إليه علمك من المسائل والدلائل حتى تترقى شيئا فشيئا واستعن بمن تثق به من زملائك وإخوانك، إذا احتاجت المسألة إلى استعانة ولا تستحي أن تقول يا فلان ساعدني على تحقيق هذه المسألة بمراجعة الكتب الفلانية والفلانية، الحياء لا ينال العلم به أحد، فلا ينال العلم مستحي ولا مستكبر .
وقوله: (والاهتمامُ والتحَرُّقُ للتحصيلِ والبلوغِ إلى ما فوقَه) يعني معناه أن الإنسان يكون عنده شغف شديد تتحرق نفسه لينال ما فوق المنزلة التي هو فيها (حتى تَفيضَ إلى الْمُطَوَّلاتِ بسَابِلَةٍ مُوَثَّقَةٍ) . نعم.
وكان من رأيِ ابنِ العربيِّ المالِكِيِّ أن لا يَخْلِطَ الطالبُ في التعليمِ بينَ عِلْمَين وأن يُقَدِّمَ تعليمَ العربيَّةِ والشعْرِ والْحِسابِ ، ثم يَنتَقِلَ منه إلى القُرآنِ .
(أن لا يخلط الطالب في التعليم بين علمين) وهذا ليس على إطلاقه بل يجب أن يقيد ولعله يكون قيده فإن لم يفعل بينا ما يحتاج إلى قيد .
لكن تَعَقَّبَه ابنُ خَلدونَ بأنَّ العوائدَ لا تُساعِدُ على هذا وأنَّ الْمُقَدَّمَ هو دراسةُ القرآنِ الكريمِ وحِفْظُه ؛ لأنَّ الوَلَدَ ما دام في الْحِجْرِ يَنقادُ للحُكْمِ ، فإذا تَجاوَزَ البُلوغَ ؛ صَعُبَ جَبْرُه .
أمَّا الْخَلْطُ في التعليمِ بينَ عِلمينِ فأَكْثَرَ ؛ فهذا يَختلِفُ باختلافِ المتعلِّمينَ في الفَهْمِ والنشاطِ .
طيب ما معنى هذا؟ قوله رحمه الله: إنك تقدم تعليم العربية هذا قد يكون مسلما بالنسبة لمن لا ينطق العربية وذلك لأنه لا يمكن أن يعرف القرآن إلا إذا تعلم العربية لكن من كان عربيا فليس من المُسَلَّم أن نقول تعلم العربية بمعنى: توسع فيها والشعر والحساب، كيف نقدم الشعر والحساب على القرآن ؟ هذا ليس بمُسَلَّم، كذلك أيضا .
قوله: لا يجمع بين علمين، فيقال إن الناس يختلفون في الفهم والاستعداد فقد يكون سهلا على المرء أن يجمع بين علمين وقد يكون من الصعب أن يجمع بين علمين وكل إنسان طبيب نفسه فإذا رأى من نفسه قدرة وقوة فلا بأس أن يجمع بين علمين ولكن ليحذر النشاط أو نشاط البدء لأن نشاط البدء بمنزلة السفر، فإن بعض الناس أول ما يبدأ يجد نفسه نشيطا نشيطا نشيطا ثلاث مرات فيريد أن يلتهم العلوم جميعا فإذا به ينكث على الوراء لأنه كبر اللقمة ومن كبر اللقمة فلا بد أن يغص حتى لو وجدت من نفسك قدرة وقوة لا تكلفها ما لا تطيق اتزن حتى تستمر
وكان من أهلِ العلمِ مَن يُدَرِّسُ الفقهَ الحنبليَّ في (زادِ الْمُسْتَقْنِعِ) للمبتدئينَ و(الْمُقْنِعِ) لِمَن بعدَهم للخِلافِ المذهبيِّ، ثم (الْمُغْنِي) للخِلافِ العالي، ولا يَسْمَحُ للطبقةِ الأُولى أن تَجْلِسَ في دَرْسِ الثانيةِ. وهكذا؛ دَفْعًا للتشويشِ.
نعم صحيح من أهل العلم من يفعل ذلك إذا كان يدرس الفقه الحنبلي يدرس في زاد المستنقع لأن زاد المستنقع اختصار المقنع ثم ينتقل إلى تدريس المقنع؛ لأن المقنع فيه ذكر الروايتين والوجهين والقولين في المذهب بدون تعليل ولا دليل يطلع الطالب على أن هناك خلافا في المسائل وبعضهم ينتقل من بعد المقنع إلى الكافي، الكافي قبل المغني لأن الكافي يذكر فيه الخلاف المذهبي مع الأدلة وبهذا يمتاز عن المقنع فهو يذكر الخلاف ويذكر الأدلة سواء كانت الأدلة سمعية من الكتاب والسنة والإجماع والقياس الصحيح أو عقلية من النظر ثم بعد ذلك المغني لأن الخلاف في المغني ليس مع أصحاب الإمام أحمد بل مع عامة المذاهب فيترقى من هذا إلى هذا، الموفق رحمه الله سلك هذا التدرج لكن له كتاب قبل المقنع سلم للمقنع وهو عمدة الفقه للموفق كتاب مختصر أقل بكثير من زاد المستقنع من حيث المسائل لكنها تشتمل على بعض الدلائل يعني ليست جافة كزاد المستقنع بل فيها أدلة . فالحاصل أنه ينبغي أن المعلم يرتقى بالطلبة درجة فدرجة حتى يتقنوا ما تعلموه.
قال: (ولا يسمح للطبقة الأولى أن تجلس في دروس الثانية وهكذا دفعا للتشويش)، لكني أنا في النقطة الأخير لا أستطيع ولهذا أجمع بين الصغير والكبير فيما ندرسه من الكتب ونقول هذا الصغير الآن يزحف ثم يبدأ يمشي شيئا فشيئا حتى تقله رجلاه وسبب ذلك أن الطلاب عندنا يتواردون شيئا فشيئا ولو راعينا الوافدين لأهملنا حق السابقين لو قلنا مثلا إذا جاء أناس جدد رجعنا في زاد المستقنع إلى كتاب الطهارة ووصلنا مثلا قل إلى كتاب الصلاة في هذه الفترة جاء العام الثاني وفد جماعة ماذا نعمل؟ رجعنا إلى الطهارة كان في هذا ظلم للسابقين ومعناه سنبقي دائم الأبد من أول الكتاب إلى الطهارة هذا ما يستقيم، لذلك نرجوا منكم العذر إلا أنه والحمد لله وجد من الطلبة السابقين من جلس للطلبة الوافدين في بعض المختصرات وهذا والحمد لله من نعمة الله على الجميع.
واعْلَمْ أنَّ ذِكْرَ الْمُختصراتِ فالْمُطَوَّلَاتِ التي يُؤَسَّسُ عليه الطلَبُ والتلَقِّي لدى المشايخِ تَختَلِفُ غالبًا من قُطْرٍ إلى قُطْرٍ باختلافِ الْمَذاهِبِ وما نَشأَ عليه عُلماءُ ذلك الْقُطْرِ من إتقانِ هذا المختَصَرِ والتمَرُّسِ فيه دونَ غيرِه .
هذه الفقرة صحيحة مثلا قد يكون الإنسان في بلد ينتحلون مذهب الشافعي ستجد العلماء يدرسون أو يبنون أصول تدريسهم على كتب الشافعي، في بلد ينهج فيه أهله مذهب الإمام أحمد تجد العلماء يدرسون كتب هذا المذهب وهلم جرا .
والحالُ هنا تَختلِفُ من طالبٍ إلى آخَرَ باختلافِ القرائحِ والفهومِ وقُوَّةِ الاستعدادِ وضَعْفِه، وبُرودةِ الذِّهْنِ وتَوَقُّدِه
وهناك أسباب أخرى أيضا وهي قوة الاستعداد للعلم وتلقيه وضعف ذلك وكذلك كثرة المشاغل وقلتها، المهم أن الاختلاف وارد في كل شيء، لكن ما ذكره أولاً مبني على الغالب فقد يكون من المبتدئين من يمكن أن تدرسه المقنع
وقد كان الطلَبُ في قُطْرِنا بعدَ مَرحلةِ الكتاتيبِ والأخْذِ بحفْظِ القرآنِ الكريمِ يَمُرُّ بِمَراحلَ ثلاثٍ لدى المشايِخِ في دُروسِ المساجدِ : للمبتدئينَ ثم الْمُتَوَسِّطِينَ ، ثم الْمُتَمَكِّنِينَ .
ففي التوحيدِ: (ثلاثةُ الأصولِ وأَدِلَّتُها) و(القواعدُ الأربَعُ)، ثم (كشْفُ الشُّبهاتِ) ثم (كتابُ التوحيدِ) أربَعَتُها للشيخِ محمَّدِ بنِ عبدِ الوَهَّابِ رَحِمَه اللهُ تعالى ، هذا في توحيدِ العِبادةِ .
وفي توحيدِ الأسماءِ والصِّفاتِ : (العقيدةُ الوَاسِطِيَّةُ)، ثم ( الْحَمَوِيَّةُ ) و( التَّدْمُرِيَّةُ )؛ ثلاثتُها لشيخِ الإسلامِ ابنِ تَيميةَ رَحِمَه اللهُ تعالى، فـ ( الطحاوِيَّةُ ) مع ( شَرْحِها ) .
وفي النحوِ: ( الآجُرُّومِيَّةُ ) ثم ( مُلْحَةُ الإعرابِ ) للحَريريِّ، ثم ( قَطْرُ النَّدَى ) لابنِ هِشامٍ ( وألْفِيَّةُ ابنِ مالِكٍ ) مع ( شَرْحِها ) لابنِ عَقيلٍ .
وفي الحديثِ: (الأربعينَ) للنوويِّ ، ثم (عُمْدَةُ الأحكامِ) للمَقْدِسِيِّ ، ثم (بُلوغُ الْمَرامِ) لابنِ حَجَرٍ ، و (الْمُنْتَقَى) للمَجْدِ ابنِ تَيميةَ ؛ رَحِمَهم اللهُ تعالى، فالدخولُ في قراءةِ الأمَّاتِ السِّتِّ وغيرِها .
وفي الْمُصطَلَحِ : ( نُخبَةُ الفِكَرِ ) لابنِ حَجَرٍ ، ثم ( أَلْفِيَّةُ العِراقيِّ ) رَحِمَه اللهُ تعالى .
وفي الفِقْهِ مَثَلًا : ( آدابُ المشيِ إلى الصلاةِ ) للشيخِ محمَّدِ بنِ عبدِ الوَهَّابِ ، ثم ( زادُ المستَقْنِعِ ) للحَجَّاويِّ رَحِمَه اللهُ تعالى أو ( عُمْدَةُ الفِقْهِ ) ثم ( الْمُقْنِعُ ) للخِلافِ المذهبيِّ ، و ( الْمُغْنِي ) للخِلافِ العالي؛ ثلاثتُها لابنِ قُدامةَ رَحِمَه اللهُ تعالى .
وفي أصولِ الفقهِ : ( الوَرَقَاتُ ) للجُوَيْنيِّ رَحِمَه اللهُ تعالى ، ثم ( رَوضةُ الناظِرِ ) لابنِ قُدامةَ رَحِمَهُ اللهُ تعالى .
وفي الفرائضِ : ( الرَّحْبِيَّةُ ) ثم مع شُروحِها ، و ( الفوائدُ الجلِيَّةُ )
وفي التفسيرِ ( تفسيرُ ابنِ كثيرٍ ) رَحِمَه اللهُ تعالى وفي أصولِ التفسيرِ : ( الْمُقَدِّمَةُ ) لشيخِ الإسلامِ ابنِ تَيميةَ رَحِمَه اللهُ تعالى .
وفي السيرةِ النبوِيَّةِ : ( مُخْتَصَرُها ) للشيخِ محمَّدِ بنِ عبدِ الوَهَّابِ وأَصْلُها لابنِ هِشامٍ، وفي ( زادِ الْمَعادِ ) لابنِ القَيِّمِ رَحِمَه اللهُ تعالى .
وفي لِسانِ العَرَبِ: العنايةُ بأشعارِها ؛ كـ ( المعلَّقَاتِ السبْعِ ) والقراءةُ في ( القاموسِ ) للفيروز آباديِّ رَحِمَه اللهُ تعالى
يقول رحمه الله وأطال حياته في طاعته يقول: (ففي التوحيد: ثلاثة الأصول وأدلتها والقواعد الأربع ثم كشف الشبهات ثم كتاب التوحيد أربعتها للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله) هذا في توحيد العبادة يعني يبدأ بالأصغر فالأصغر، ثلاثة الأصول تدور عليها من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ أربعة قواعد أيضا تدور على قوله تعالى: { والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر } آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر.
كشف الشبهات شبهات بعض أهل الشرك التي أوردوها وأجاب عنها الشيخ رحمه الله بما تيسر.
وفي توحيد الأسماء والصفات العقيدة الواسطية التي ألقها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهي من أخصب كتب العقيدة وأحسن كتب العقيدة وسميت الواسطية نسبة إلى واسط لأن بعض قضاتها قدم إلى الشيخ رحمه الله وطلب منه أن يكتب ملخصا في عقيدة السلف فكتب هذه العقيدة المباركة.
كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب .
قال : (ثم الحموية ثم التدمرية) والحموية والتدمرية: رسالتان أوسع من العقيدة الواسطية لكنها أجمع منهما لأنه ذكر فيها الأسماء والصفات والكلام على الإيمان باليوم الآخر وطريقة أهل السنة والجماعة ومنهجهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك فهي أجمع من التدمرية والحموية، لكن التدمرية والحموية تمتازان بأنهما أوسع منها في باب الصفات.
يقول: (فـ) الفاء للترتيب (الطحاوية مع شرحها). وهي معروفة وصارت شائعة منتشرة بين الناس الآن حيث قررت في الجامعة .
(في النحو الآجرومية) كتاب صغير في النحو لكنه مبارك وجامع، مقسم، سهل وأنا أنصح به كل مبتدئ في النحو أن يقرأها، كذلك أيضا ملحة الإعراب للحريري ثم قطر الندى لابن هشام وألفية ابن مالك مع شرحها لابن عقيل هكذا قال الشيخ بكر، لكني أقول الآجرومية ثم (...) إلى الألفية أما أن نحشوا أذهاننا بكتب تعتبر كالتكرار لأولها فلا حاجة.
(ملحة الإعراب) هذه نظم فيها بيت مشهور عند الناس وهو قوله:
إن تجد عيبا فسد الخللا = فجل من لا عيب فيه وعلا
هذا منها وهو مشهور كثير من الكتاب الذين يكتبون الكتب العملية بالذات فيها سبق إذا انتهت قال :
إن تجد عيبا فسد الخللا = فجل من لا عيب فيه وعلا
هذا منها وهو مشهور، كثير من الكتاب الذين يكتبون الكتب العلمية (...) فيما سبق إذا انتهى قال:
إن تجد عيبا فسد الخللا = فجل من لا عيب فيه وعلا
المهم أنا أختار الآجرومية ثم ألفية ابن مالك، احفظها واستشرحها من رجل عالم بالنحو وفيها الخير الكثير.
في الحديث الأربعين النووية وهذا طيب هذا الكتاب طيب لأن فيه آدابا ومنهجا جيدا وقواعد مفيدة جدا في حديث واحد يمكن أن يبني الإنسان حياته عليه (( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) هذه قاعدة لو جعلتها هي الطريق الذي تمشي عليه وتسير لكانت كافية وفي النطق (( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت)) فهي من أحسن ما ألف، ( ثم عمدة الأحكام للمقدسي، ثم بلوغ المرام ) وأرى أن يقتصر على بلوغ المرام لأن عمدة الأحكام داخلة في بلوغ المرام أكثر أحاديثه موجودة في بلوغ المرام، بلوغ المرام أوسع منه وأشد تحريرا لكن:
إذا لم تستطع شيء فدعه = وجاوزه إلى ما تستطيع
إذا قال: أنا ما أستطيع أني أحفظ بلوغ المرام لاسيما وأن فيه رواه فلان وصححه فلان وضعفه فلان هذه (...)
قلنا له إذا لم تستطع شيئا فدعه عندك عمدة الأحكام زبدة، أي ساعة تريد أن تستدل خذ حديثا منها ولا حاجة أن تبحث عن صحته لأن أحاديثه منتخبة من البخاري ومسلم، (والمنتقى للمجد بن تيمية رحمهم الله) المنتقى أكبر من بلوغ المرام بكثير لكنه أضعف منه من حيث بيان مرتبة الحديث لا يذكر رحمه الله بيان مرتبة الحديث . نعم.
قال: (فالدخولُ في قراءةِ الأمَّهاتِ السِّتِّ وغيرِها) ما هي الأمهات الست؟ البخاري، ومسلم، أبو داود، الترمذي، النسائي، ابن ماجة، وسميت أمهات لأنها مرجع الأحاديث ولهذا قال بعض العلماء: إذا رأيت حديثا في غير الأمهات فلا تحكم عليه حتى تحرره تخريجا لأن هذه الأمهات هي التي اشتهرت بين المسلمين وأخذوها وتلقوها بالقبول وإن كان فيها الضعيف وربما الموضوع أيضا، لكن اشتهرت واعتبرت عند المسلمين .
في المصطلح: نخبة الفكر لابن حجر، ثم ألفية العراقي رحمه الله، نخبة الفكر أظنها ثلاث صفحات تقريبا لكنها نخبة، يعني الإنسان إذا فهمها تماما وأتقنها تغني عن كتب كثيرة في المصطلح لأنها مضبوطة تماما وله طريقة غريبة في تأليفها وهي السبر والتقسيم، أكثر المؤلفات يأتي الكلام مرسلا يعني سلسلا لكن هو رحمه الله اخترع هذه الطريقة الخبر إما أن يكون له طرق محصورة بعدد أو غير محصورة والمحصورة بعدد كذا وكذا وكذا ثم (...) فتجد أن الإنسان إذا قرأها يجد نشاطا لأنها مبنية على إثارة العقل وأنا أشير على كل الطلبة أن تحفظوها لأنها خلاصة (...) نعم.
يقول: (ثم أَلْفِيَّةُ العِراقيِّ ) ألفية العراقي مطولة لكن أرى أن الإنسان يقتصر على فهمها وأنه لا حاجة إلى حفظها ثم قد يكون هناك متون أهم منها.
(وفي الفِقْهِ مَثَلًا : ( آدابُ المشيِ إلى الصلاةِ ) للشيخِ محمَّدِ بنِ عبدِ الوَهَّابِ ، ثم ( زادُ المستَقْنِعِ ) للحَجَّاويِّ رَحِمَه اللهُ تعالى أو ( عُمْدَةُ الفِقْهِ ) ثم ( الْمُقْنِعُ ) للخِلافِ المذهبيِّ، و ( الْمُغْنِي ) للخِلافِ العالي ؛ ثلاثتُها لابنِ قُدامةَ رَحِمَه اللهُ تعالى ).
ثلاثتها يعني بذلك عمدة الفقه، المقنع، المغني.
لكن غيره ذكر أربعة وهي العمدة، ثم المقنع، ثم الكافي ثم المغني.
كفى الناس بالكافي وأقنع طالبا = بمقنع فقه عن كتاب مطول
وأغنى بمغني الفقه من كان طالبا = وعمدته من يعتمدها يحصل
ذكرت هذه الأربع في البيتين (...) فالعرب تقرأ القصيدة أكثر من خمسين بيتا ثم ينصرفون وقد حفظوها. نعم أعيدها؟ يقول:
كفى الناس بالكافي -يغني الموفق- وأقنع طالبا = بمقنع فقه عن كتاب مطول
وأغنى بمغني الفقه من كان طالبا = وعمدته من يعتمدها يحصل
أو قال: وأغنى بمغني الفقه من كان عالما نسيت أنا . (...)
(وفي أصولِ الفقهِ : ( الوَرَقَاتُ ) للجُوَيْنيِّ رَحِمَه اللهُ تعالى، ثم ( رَوضةُ الناظِرِ ) لابنِ قُدامةَ) قفزة جيدة الورقات ورقات صغيرة لكن بعد هذا إلى روضة الناظر الفرق بينهما كبير لكن هناك كتب مختصرة في أصول الفقه وجيدة يمكن أن يعتمد الإنسان عليها وربما تغنيه أيضا عن روضة الناظر وأصول الفقه هي عبارة عن قواعد وضوابط يتوصل الإنسان بها إلى معرفة استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية.
(وفي الفرائضِ: ( الرَّحْبِيَّةُ ) ثم مع شُروحِها، و( الفوائدُ الجلِيَّةُ ) أما الرحبية فهي للرحبي وشروحها متعددة والفوائد الجلية للشيخ عبد العزيز بن باز، لكن أرى أن البرهانية أحسن من الرحبية، البرهانية أجمع من الرحبية من وجه وأوسع معلوماتا من وجه آخر ففي مقدمتها ذكر الحقوق المترتبة على التركة.. أو المرتبة في التركة من بعد موت الإنسان يعني المتعلقة بالتركة ذكرها ولم تذكر في الرحبية، ذكر أركان الإرث وشروط الإرث ولم تذكر في الرحبية ذكر (...) وذوي الأرحام ولم تذكر في الرحبية على أنها أخصر من الرحبية وأجمع، في باب الثلثين الرحبي ذكر أربعة أبيات والبرهاني ذكر بيتا واحدا فقال:
الثلثان لاثنتين استوتا = فصاعدا ممن له النصف أتى
بيت واحد
الثلثان لاثنتين استوتا = فصاعدا ممن له النصف أتى
كل واحد له النصف إذا صار معها نظيرها صار لهما الثلثان ( طيب ) ولها شرح لابن سلوم مطول ومختصر مفيد جدا ولذلك أنا أرى أن البرهانية أحسن من الرحبية من الوجوه التي ذكرتها . نعم.
في التفسير يقول: (تفسير ابن كثير) وهو جيد بالنسبة للتفسير بالآثر لكنه قليل الفائدة بالنسبة لأوجه الإعراب والبلاغة وخير ما قرأت في أوجه الإعراب والبلاغة (الكشاف) للزمخشري وكل من بعده فهم عيال عليه أحيانا تجد عبارة الزمخشري منقولة نقلا، لكن تفسير الزمخشري فيه بلايا من جهة العقيدة لأنه معتزلي .
في أصول التفسير: (المقدمة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى) معروفة المقدمة في التفسير وهي كتاب مختصر جيد مفيد.
(في السيرة النبوية مختصرها للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وأصلها لابن هشام وفي زاد المعاد لابن القيم رحمه الله) لكن السيرة النبوية المختصرة والأصل مجرد تاريخ أما زاد المعاد فإنه تاريخ وفقه، فقه من السيرة قد يكون في التوحيد وقد يكون في الفقه في الأمور العملية.
(وفي لِسانِ العَرَبِ : العنايةُ بأشعارِها ؛ كـ ( المعلَّقَاتِ السبْعِ ) والقراءةُ في ( القاموسِ ) للفيروز آباديِّ رَحِمَه اللهُ تعالى).
(العناية بأشعارها كالمعلقات السبع) المعلقات السبع قصائد من أجمع القصائد وأحسنها وأروعها اختارتها قريش لتعلق في الكعبة ولهذا تسمى المعلقات ولما ذكر ابن كثير رحمه الله اللامية لأبي طالب قال: هذه اللامية يحق أن تكون مع المعلقات لأنها أقوى منها وأعظم وفيها يقول أبو طالب:
لقد علموا أن ابننا لا مكذب = لدينا ولا يعنى بقول الأباطل
يعني الرسول عليه الصلاة والسلام وهذه شهادة للرسول عليه الصلاة والسلام بأنه صادق لكن هذه الشهادة من أبي طالب لم تستلزم القبول والإذعان فلذلك لم تنفعه، وخذل عند موته بل كان النبي عليه الصلاة والسلام يقول: قل لا إله إلا الله ولكن لم يقل نسأل الله العافية.
يقول أيضا (القراءة في القاموس) لكن هل نقرأ في القاموس أو نراجع القاموس؟ الثاني نراجع. أما نقرأ القاموس مهما قرأت ما تستفيد الفائدة المرجوة، لكن فيه مقدمات مشروحة جيدة في الصرف لو قرأها الإنسان يكون ذلك طيبا.
وهكذا من مراحل الطلب في الفنون.
سؤال: عندنا هنا من أصعب العلوم على أكثر الشباب علم اللغة (النحو والصرف) ودائما المشايخ ينصحوننا بأن نبدأ بالنحو في علم اللغة ولكن كثير من الشباب يتكاسل ولا يستمر فهل يبدأ بغيره قبله، كالفقه والأصول والمصطلح؟
الجواب: نعم، لا بأس أن يبدأ بغيره قبله ولا يضر، كم من علماء فقهاء يشار إليهم بالأصابع يلحنون في فقههم لكن لا شك أن علم العربية يعينك على فهم القرآن والسنة ويجمل كلامك لأنك لو سمعت رجلا يقول: جاء زيدا راكبٌ، مججت هذا الكلام مع أن المعنى واضح عنده هو، وكثير من الناس يضيق صدره جدا إذا سمع قارئًا يلحن، ولكن قل للإخوان: إن النحو كما قاله مشائخنا عن النحو بابه من حديد وجوفه من قصب يعني أنه سهل ادخل الباب والباقي يكون سهلا عليك ، وهذه حقيقة لاسيما إذا وفق الإنسان لمعلم يكثر ضرب الأمثلة فإنه يسهل عليه علم النحو.
السؤال الثاني : كما بينتم حفظكم الله أن قراءة الشعر تقوي الجانب اللغوي عند الطالب، ما حكم قراءة أشعار العرب وفيها من الغزل وغيره ؟
الجواب: أما الإنسان الذي لا يحركه هذا الغزل ، فلا بأس . وأما الذي يحركه ويخشى على نفسه منه فليتجنبه.
سؤال: ما حكم وضع القرآن الآن في بدالة الهاتف بحيث يكون في وقت الانتظار أو وقت تحويل مكالمة إلى مكالمة يسمع المتصل شيء من القرآن أو أحيانا شريط موعظة أو غيره ؟
الجواب: أما القرآن فلا أرى ذلك ، لأن هذا ابتذال للقرآن حيث نقضي به غرضا فقط ، ثم قد يستمع إليه من لا يقدره ولا يعظمه ويكرهه، لكن من الممكن أن تضع حكمة من الحكم . أو إذا كنت في مصلحة أو جهة تبين عمل هذه الجهة أو المؤسسة في أثناء الانتظار .
سؤال لأحد التجار: يقول إن عنده بضاعة من سراويل الرجال فوق الركبة قليلا وكذلك أغراض للنساء يمكن أن تستخدم داخل البيت ويمكن أن تستخدم خارج البيت يعني إذا استخدمت خارج البيت تكون فتنة وأما داخل البيت فتكون للزوج أو بين النساء فهل يجوز له أن يبيع مثل هذه الأغراض؟
الجواب: الشيء الذي يخشى أن يكون فتنة لا يجوز ، وأما السروال القصير للرجال فإذا كان من عادة الناس أن يلبسوا فوقه قميصا ساترا فلا بأس ، أما إذا كانوا لا يلبسون إلا قمصا خفيفة يتبين من ورائها لون الجلد فإنه لا يبيع هذه السراويل إلا على من تستر منه ما بين السرة والركبة.
سؤال: (...)
الجواب: أما المسألة الأولى فلا بد أن يكون للقصر ولي يتصرف بما يراه أنفع ، من قسم المال أو إبقائه على ما هو عليه وكل إنسان منهم يحتاج يعطى ما يحتاجه لكن يقيد من نصيبه وليس من الجميع. وأما الثانية فإنه إذا تنازل الأب فله أن يرجع لأن الأب يجوز له أن يرجع في هبته لابنه وأما الأم فليس لها أن ترجع (...) الجد ليس له أن يرجع ولا الأم.
سؤال: (...)
الجواب: إذا لم يكن لم ولي فوليهم القاضي.
سؤال: (...)
الجواب: هل آتاك الله علما؟ هل هو وحي؟ (...) يعني ما آتاه مثله في وجوب العمل ولهذا قال: (لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري يقول لا ندري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه ) فأراد عليه الصلاة والسلام أنه مثله في العمل أي في وجوب العمل. (...) المماثلة متعذرة ليس مثل القرآن لا في الإعجاز ولا في الاحترام ولا في تحريمه على الجنب (...) لأن الرجل يقول: (ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه) يعني ولا ألتفت للسنة، فقال: (ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه) (...) الرسول ما أوحي إليه فيها أشياء حكم بها وأنكرها الله عليه (...) بالعكس الأصل أن ما قاله ليس بوحي إلا ما دل عليه الدليل، لكن إقرار الله له يجعله حجة بمنزلة الوحي.
بسم الله الرحمن الرحيم قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد: ... وهكذا من مَراحلِ الطلَبِ في الفُنونِ .
وكانوا مع ذلك يَأخذون بجَرْدِ الْمُطَوَّلَاتِ ؛ مثلِ ( تاريخِ ابنِ جَريرٍ ) وابنِ كثيرٍ؛ وتفسيرِهما، ويُرَكِّزُون على كُتُبِ شيخِ الإسلامِ ابنِ تَيميةَ، وتلميذِه ابنِ القَيِّمِ رَحِمَهما اللهُ تعالى. وكُتُبِ أئِمَّةِ الدعوةِ وفتاوِيهم لا سِيَّمَا مُحَرَّرَاتِهم في الاعتقادِ
الشيخ بكر يتحدث عن الطلب في قطرنا، وليس عن الطلب عموما ، ولهذا هذه الكتب التي عينها إنما هي في قطرنا وقد يكون ما يساويها أو يشابهها في الأقطار الأخرى على هذا النمط.
وأما قوله: (يركزون على كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله)، فهذا صحيح، غالب المتأخرين يركزون عليهما ، وكان شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله يحثنا على قراءتهما ، أي قراءة كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم لأن فيهما من التحقيق والتحرير والتقعيد ما لا يوجد في غيرهما. وتحس وأنت تقرأ بأن كلامهما ينبع من القلب ، ولهذا يؤثر في زيادة الإيمان .
وأما تمثيله أيضا بتاريخ ابن جرير وابن كثير، فهذا أيضا عند المراجعة لا بأس، أما كون الإنسان يجعله قراءة يقرؤها فهذا طويل ربما يقطع عليه وقتا كثيرا .
وقوله: (كتب أئمة الدعوة)، المراد بهم شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وبنوه وأحفاده ، ومن تتلمذ عليهم.
وهكذا كانت الأوقاتُ عامرةً في الطلَبِ ومجالِسِ العِلْمِ ، فبعدَ صلاةِ الفَجْرِ إلى ارتفاعِ الضُّحَى ، ثم تكونُ القَيلولةُ قُبَيْلَ صلاةِ الظهْرِ ، وفي أعقابِ جَميعِ الصلواتِ الخمْسِ تُعْقَدُ الدروسُ ، وكانوا في أَدَبٍ جَمٍّ وتَقديرٍ بعِزَّةِ نفْسٍ من الطَّرَفَيْنِ على مَنهجِ السلَفِ الصالِحِ رَحِمَهُم اللهُ تعالى ، ولذا أَدْرَكُوا وصارَ منهم في عِدادِ الأئِمَّةِ في العِلْمِ جَمْعٌ غَفيرٌ والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ .فهل من عودةٍ إلى أصالةِ الطلَبِ في دِراسةِ المختَصَراتِ الْمُعتَمَدَةِ لا على المذَكَّرَاتِ ، وفي حِفْظِها لا الاعتمادِ على الفَهْمِ فحَسْبُ ، حتى ضاعَ الطلَّابُ فلا حِفْظَ ولا فَهْمَ.
لا حول ولا قوة إلا بالله، قوله وفقه الله : الاعتماد على هذه المتون الأصيلة لا على المذكرات ، هذا صحيح ، لأن المذكرات قد يكون واضعها ممن لا يعرف من هذا الفن إلا معرفة سطحية ، فتجده يلتمس كلمات من هذا وكلمات من هذا وكلمات من هذا، ولا يكون الكلام محررا متناسقا، لكن هذه الكتب القديمة الأصيلة محررة متناسقة مخدومة.
وكذلك أيضا الحفظ هو الأصل، علم بلا حفظ يزول سريعًا، وكانوا بالأول يلعبون علينا لما كنا في الطلب، يقولون لا تتعب نفسك في حفظ المتن عليك بالفهم ، الفهم الفهم، لكن وجدنا أننا ضائعون إذا لم يكن عندنا حفظ .
ما نفعنا الله تعالى إلا بما حفظنا من المتون، ولولا أن الله نفعنا بذلك لضاع علينا علم كثير، فلا تغتر بمن يقول الفهم ، ولهذا هؤلاء الدعاة إلى الفهم لو سألتهم أو ناقشتهم لوجدتهم ضحلاء، ليس عندهم إلا علم ضحل ، {كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا} .
وفي خُلُوِّ التلقينِ من الزَّغَلِ والشوائبِ والكَدَرِ ، سيْرٌ على مِنْهَاجِ السلَفِ، واللهُ الْمُستعانُ.
قوله: (خلو التلقين): يعني تلقين العلم، (من الزغل والشوائب والكدر، سير على منهاج السلف)، يعني ينبغي للعالم والمتعلم أن يكون التعليم والتعلم منهما خاليا من هذه العيوب، بل ينبغي أن يكون صافيا، بحيث يكون المعلم يريد بذلك إيصال العلوم إلى الطلاب دون الاستعلاء عليهم أو إظهار علمه عليهم أو ما أشبه ذلك ، ويكون التلميذ كذلك واثقا مطمئنا إلى ما يقوله معلمه، لأنه إذا كان يتعلم منه يقول أنا أتعلم الآن ولكن إذا خرجت أبحث عن عالم آخر فكأنه لم يأخذ عن هذا العالم أخذ واثق، أو (...) وهذا يضيعه بلا شك .
لكن إذا أخذ عن العلم أخذ مستفيد واثق ، ثم بعد ذلك إذا كبر وترعرع في العلم وصار عنده ملكة ، فلا مانع أن يخالف شيخه فيما يرى أن الصواب في خلافه. لكن مادام في زمن الطلب فليتكأ على من يتعلم على يديه وليأخذ كلامه بثقة واطمئنان، حتى يرسخ، أما أن يأخذ ويقول: إذا خرج أبحث مع أناس أو مع طلاب علم هذا لا يصح أبدا ولا يستقيم للطالب طلب على هذا الوجه.
وقالَ الحافظُ عثمانُ بنُ خُرَّزَاذَ (المتوفى سنة 282 هـ ) رَحِمَه اللهُ تعالى: ( يَحتاجُ صاحبُ الحديثِ إلى خَمْسٍ، فإن عُدِمَتْ واحدةٌ فهي نَقْصٌ : يَحتاجُ إلى عَقْلٍ جَيِّدٍ ، ودِينٍ ، وضَبْطٍ، وحَذَاقَةٍ بالصِّناعةِ، مع أَمانَةٍ تُعْرَفُ منه.
(قلتُ: أي الذهبيُّ : ) الأمانةُ جزءٌ من الدينِ، والضبْطُ داخلٌ في الْحِذْقِ، فالذي يَحتاجُ إليه الحافظُ أن يكونَ تَقِيًّا، ذَكِيًّا ، نَحْوِيًّا ، لُغَوِيًّا ، زَكِيًّا ، حَيِيًّا ، سَلَفِيًّا يَكفِيه أن يَكتُبَ بيَدَيْهِ مِائَتَي مُجَلَّدٍ، ويُحَصِّلَ من الدواوينِ الْمُعْتَبَرَةِ خَمْسَ مِئَةِ مُجَلَّدٍ وأن لا يَفْتُرَ من طلَبِ العِلْمِ إلى الْمَمَاتِ بِنِيَّةٍ خالِصَةٍ ، وتوَاضُعٍ وإلا فلا يَتَعَنَّ ) اهـ.
هذه ثقيلة من الذهبي رحمه الله ، لو بقينا على كلام الحافظ عثمان بن خرزاد لكان أحسن.. يعني أهون علينا.
- الأمانة جزء من الدين، فتدخل في قوله: (تحتاج إلى عقل جيد ودين).
- والضبط داخل في الحفظ، يعني حذق الشيء بمعنى فهمه وأدركه جيدا. كم يبقى من الخمس؟ يبقى ثلاثة لكن دخل علينا أكثر من الثلاثة، - يحتاج إلى أن يكون تقيا، هذا صحيح، والتقوى رأس كل عبادة وهي الأصل، والتقوى هي فعل أوامر الله واجتناب نواهيه لأن بذلك تكون الوقاية من عذاب الله.
- ذكيا يعني ليس غبيا، ضد الذكاء الغباء بأن يكون عنده فطنة وكم من إنسان حافظ وليس بذكي، وكان رجل ممن سبق حافظا جدا، سريع الحفظ، بطيء النسيان، حفظ (الفروع) لابن مفلح، وهي ثلاث مجلدات كبار، وهو حاوي لجميع الوفاق والخلاف وكان يحفظه كما يحفظ الفاتحة ، لكن لا يفهم منه شيئا لأنه غير ذكي ، فكانوا يلقبونه بحمار الفروع : لقوله تعالى : {كمثل الحمار يحمل أسفارا } لكن لا ينتفع به وكانوا يأتون إليه على اعتبار أنه نسخة ، إذا اختلفوا في شيء راجعوه ، ماذا قال ابن مفلح في المسألة الفلانة؟ ثم يسرد لهم، فيكون مراجعة، يعني كتاب مراجعة، فبعض الناس يكون عنده حفظ قوة حافظة ، إدراكا وإبقاء ولكن ليس عنده ذكاء .
وبعض الناس بالعكس ذكاءه متوقد لكن ليس عنده حافظة .
- نحويا لغويا : النحوي هو الذي يعتني بالإعراب والبناء وهذا يختص بأواخر الكلمات، اللغوي يدخل فيه من تعلم علم الصرف وعلم مفردات اللغة، وعلى هذا فلا بد من مراجعة كتب النحو: كتب الصرف وكتب اللغة كالقاموس ولسان العرب وغير ذلك .
- زكيا تقيا : الزكي والتقي معناهما متقارب ، فإن ذكرا فينبغي أن يحمل التقي على من ترك المحرمات والزكي على من قام بالمأمورات.
ويعجبني أن أذكر لكم كلمة قالها شيخ الإسلام رحمه الله في أهل الكلام قال: (إنهم أوتوا فهوما وما أوتوا علوما) يعني عندهم فهم لكن ليس عندهم علم. (وأوتوا ذكاء وما أوتوا زكاء ) يعني أذكياء لكن ليسوا أزكياء.
- حييّا : لكن بشرط: أن لا يمنعه حياؤه من طلب العلم ، ولهذا قال بعضهم : لا ينال العلم حيي ولا مستكبر . يكون حيي ولكن لا يمنعه ذلك من أن يطلب الحق.
قالت أم سليم للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (إن الله لا يستحي من الحق، هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت ؟) قال : ((نعم إذا هي رأت الماء)).
- سلفيا : يعني يأخذ بطريقة السلف في العقيدة والأدب والعمل والمنهج وفي كل شيء لأن السلف هم صدر هذه الأمة الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم )).
(يكفيه أن يكتب بيديه مائتي مجلد ) ونعزي أنفسنا بأن المجلدات عندهم قليلة، أي قد تكون خمسين صفحة عندهم مجلدا، فإن كان هذا هو المراد فلعل الله أن يعيننا عليه، وإن كان المراد بالمجلد أنه ستمائة صفحة، فالواحد منا لو يبقى ليلا ونهارا ما أظنه يكتب مائتي مجلد. مائتي مجلد * ستين صفحة كم؟ اثنا عشر ألف.
وقوله : (ويُحَصِّلَ من الدواوينِ الْمُعْتَبَرَةِ خَمْسَ مِئَةِ مُجَلَّدٍ)، ومن الذي عنده مكتبة بها خمسمائة مجلد؟!
على كل حال هم يقولون على قدر حالهم ونقول: الله المستعان .
(وألا يفتر عن طلب العلم إلى الممات): هذا صحيح ، يعني أن طالب العلم يجب أن لا يفتر، لأنه إذا عود نفسه الفتور والكسل اعتاد ذلك، ومن طلب العلا سهر الليالي.
لا تفتر، ويقال : أعط العلم كلك تدرك بعضه، وأعطه بعضك يفتك كله .
العلم يحتاج إلى تعب وعناء، لكني أقول لكم: إن الإنسان إذا ترعرع في العلم سهل عليه أن يعلم أشياء قد لا تكون في بطون الكتب. لا سيما مع النية الخالصة وإرادة الحق والحكم بشرع الله فإن الله تعالى يهبه علما لا يطرأ على باله، ولا يجده في بطون الكتب، وكثيرا ما نقف عند مسألة من المسائل في الكتب في مظانها ولا نجدها، ثم إذا فكرنا في آية من كتاب الله أو في حديث من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجدنا الحل ، لأن بركة القرآن والسنة لا يضاهيها أي بركة .
يقول: (بنية خالصة وتواضع) التواضع هذا من أهم ما يكون، أسأل الله أن يرزقني وإياكم التواضع للحق وللخلق، من أهم شيء لطالب العلم التواضع، لأن التواضع خلق من الأخلاق العظيمة التي قال الله تعالى فيها لرسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: { وإنك لعلى خلق عظيم } فأعظم الناس تواضعا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أنه أشرفهم مقاما عند الله ورتبة.
قال: (وإلا فلا يتعن)، يعني لا يتعب نفسه إن لم يتصف بهذا فلا يتعب نفسه، ولكن نقول عفا الله عنك يا ذهبي، ارجع إلى قول الله تعالى: { فاتقوا الله ما استطعتم } ولنعامل الناس بما يمكن أن يقوموا به، وإلا لنفر الناس، لو قلنا للطالب يكفيك أن تكتب مائتي مجلد بيديك، هذه كفاية، والأكمل خمسمائة أو ستمائة، وله يكفيك أن يكون عندك من الدواوين خمسمائة مجلد، والأكمل ألف مجلد، يعني لو قلنا للطالب هكذا لثقل عليه الطلب، لكن نقول: يكفيك أن تكتب بيديك ما تقدر عليه بشرط أن يكون عندك حرص ونشاط في طلب العلم، والله الموفق .
سؤال: (...) شريط يشمل أحاديث فقط
الجواب: الأحاديث بارك الله فيك أهون لكن عندكم من الحكم الكثيرة ارجعوا إلى ديوان المتنبي ارجعوا إلى روضة العقلاء تجدون من الحكم ما يملأ البدالة والبدالتين.
بسم الله الرحمن الرحيم قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد:
الأمر السابع عشر: تلقي العلم عن الأشياخ: الأصلُ في الطلَبِ أن يكونَ بطريقِ التلقينِ والتلَقِّي عن الأساتيذِ والْمُثَافَنَةِ للأشياخِ، والأخْذِ من أفواهِ الرجالِ لا من الصحُفِ وبُطونِ الكُتُبِ، والأَوَّلُ من بابِ أَخْذِ النَّسيبِ عن النَّسيبِ الناطقِ، وهو الْمُعَلِّمُ، أمَّا الثاني عن الكتابِ، فهو جَمادٌ ، فأَنَّى له اتِّصَالُ النَّسَبِ ؟
هذا أيضاً مما ينبغي لطالب العلم مراعاته, أن يتلقى العلم عن الأشياخ لأنه يستفيد بذلك فائدتين : بل أكثر .
الفائدة الأولى: اختصار الطريق بدلا من أن يذهب يقلب في بطون الكتب وينظر ما هو القول الراجح , وما سبب رجحانه ؟ وما هو القول الضعيف ؟ وما سبب ضعفه ؟ بدلا من ذلك يمد المعلم هذه لقمة سائغة، يقول : واختلف العلماء في كذا على قولين أو ثلاثة أو أكثر , والراجح كذا , والدليل كذا . وهذا لا شك أنه نافع لطالب العلم .
الفائدة الثانية: السرعة. يعني سرعة الإدراك , لأن الإنسان إذا كان يقرأ على عالم فإنه يدرك بسرعة أكثر مما لو ذهب يقرأ في الكتب, لأنه إذا ذهب يقرأ في الكتب ربما يردد العبارة أربع أو خمس مرات لا يفهمها, وربما فهمها أيضا على وجه خطأ غير صحيح .
الفائدة الثالثة: الرابطة بين طالب العلم ومعلمه, فيكون ارتباط بين أهل العلم من الصغر إلى الكبر .
فهذه من فوائد تلقي العلم على الأشياخ, لكن سبق أن قلنا أن الواجب أن يختار الإنسان من العلماء من هو ثقة أمين قوي أمين, يعني عنده علم وإدراك ليس علمه سطحياً, وعنده أمانة , وكذلك أيضاً إذا كان عنده عبادة فإن الطالب يقتدي بمعلمه.
وقد قيلَ : ( مَن دَخَلَ في العِلْمِ وَحْدَه ، خَرَجَ وَحْدَه ) أي: مَن دَخَلَ في طَلَبِ العِلْمِ بلا شيخٍ ، خَرَجَ منه بلا عِلْمٍ ، إذ العلْمُ صَنعةٌ ، وكلُّ صَنعةٍ تَحتاجُ إلى صانعٍ ، فلا بُدَّ إِذَنْ لتَعَلُّمِها من مُعَلِّمِها الحاذِقِ .
هذا صحيح وقد قيل: إن من كان دليله كتاباً خطأه أكثر من صوابه. هذا فهو الغالب بلا شك, لكن قد يندر من الناس من يكرس جهوده تكريساً ولا سيما إذا لم يكن عنده من يتلقى العلم عنده, فيعتمد اعتماداً كاملاً على الله عز وجل ويدأب ليلا ونهارا ويحصل من العلم ما يحصل وإن لم يكن له شيخ .
وهذا يَكادُ يكونُ مَحَلَّ إجماعِ كلمةٍ من أهلِ العلمِ؛ إلا مَن شَذَّ مِثلَ : عَلِيِّ بنِ رِضوانَ الْمِصرِيِّ الطبيبِ وقد رَدَّ عليه علماءُ عَصْرِه ومَن بَعْدَهم .
قالَ الحافظُ الذهبيُّ رَحِمَه اللهُ تعالى في تَرجمتِه له: ( ولم يكنْ له شيخٌ ، بل اشْتَغَلَ بالأَخْذِ عن الكُتُبِ ، وصَنَّفَ كتابًا في تَحصيلِ الصناعةِ من الكتُبِ ، وأنها أَوْفَقُ من الْمُعَلِّمِينَ وهذا غَلَطٌ ) اهـ .
وقد بَسَطَ الصَّفَدِيُّ في ( الوافِي ) الردَّ عليه ، وعنه الزَّبِيدِيِّ في ( شرْحِ الإحياءِ ) عن عددٍ من العُلماءِ مُعَلِّلِينَ له بعِدَّةِ عِلَلٍ ؛ منها ما قالَه ابنُ بَطْلانَ في الردِّ عليه : ( السادسةُ : يُوجَدُ في الكتابِ أشياءُ تَصُدُّ عن العلْمِ ، وهي مَعدومةٌ عندَ المُُُعَلِّمِ وهي التصحيفُ العارضُ من اشتباهِ الحروفِ مع عَدَمِ اللفظِ ، والغلَطِ بزَوَغَانِ البصَرِ ، وقِلَّةِ الْخِبرةِ بالإعرابِ أو فَسادِ الموجودِ منه وإصلاحِ الكتابِ وكتابةِ ما لا يُقْرَأُ وقِراءةِ ما لا يُكْتَبُ ومَذهبِ صاحبِ الكِتابِ وسُقْمِ النَّسْخِ ورَداءةِ النقْلِ ، وإدماجِ القارئِ مواضِعَ الْمَقاطِعِ وخلْطِ مَبادئِ التعليمِ وذِكْرِ ألفاظٍ مُصْطَلَحٍ عليها في تلك الصناعةِ وألفاظٍ يُونانِيَّةٍ لم يُخَرِّجْها الناقِلُ من اللغةِ ؛ كالنَّوْروسِ ، فهذه كلُّها مُعَوِّقَةٌ عن العِلْمِ وقد استراحَ المتعلِّمُ من تَكَلُّفِها عندَ قراءتِه على الْمُعَلِّمِ ، وإذا كان الأمْرُ على هذه الصورةِ فالقراءةُ على العُلماءِ أَجْدَى وأَفْضَلُ من قراءةِ الإنسانِ لنفسِه وهو ما أَرَدْنَا بيانَه... قالَ الصَّفَدِيُّ : ولهذا قالَ العُلماءُ : لا تَأْخُذ العِلْمَ من صَحَفِيٍّ ولا مُصْحَفِيٍّ ؛ يعني : لا تَقرأ القُرآنَ على مَن قَرأَ من الْمُصْحَفِ ولا الحديثَ وغيرَه على مَن أَخَذَ ذلك من الصُّحُفِ ) اهـ
والدليلُ المادِّيُّ القائمُ على بُطلانِ نَظرةِ ابنِ رِضوانَ أنك تَرَى آلافَ التراجِمِ والسِّيَرِ على اختلافِ الأزمانِ ومَرِّ الأعصارِ وتَنَوُّعِ المعارِفِ، مشْحُونةً بتَسميةِ الشيوخِ والتلاميذِ ومُسْتَقِلٌّ من ذلك ومُسْتَكْثِرٌ، وانْظُرْ شَذَرَةً من المكْثِرِينَ عن الشيوخِ حتى بَلَغَ بعضُهم الأُلوفَ كما في ( الْعُزَّابِ ) من ( الإسفارِ ) لرَاقِمِه .
وكان أبو حَيَّانَ محمَّدُ يوسفَ الأندلسيُّ ( المتوفى سنةَ 745 هـ ) إذا ذُكِرَ عندَه ابنُ مالِكٍ ؛ يقولُ: ( أينَ شُيوخُه ؟ ) .
وقالَ الوليدُ: كان الأوزاعيُّ يَقولُ: كان هذا العِلْمُ كَرِيمًا يَتَلقاهُ الرجالُ بينَهم فلمَّا دَخَلَت الكُتُبِ؛ دَخَلَ فيه غيرُ أَهْلِه. ورَوَى مثْلَها ابنُ المبارَكِ عن الأَوْزَاعِيِّ. ولا ريبَ أنَّ الأَخْذَ من الصُّحُفِ وبالإجازةِ يَقَعُ فيه خَلَلٌ ، ولا سِيَّمَا في ذلك العَصْرِ ، حيث لم يكنْ بعدُ نَقْطٌ ولا شَكْلٌ فتَتَصَحَّفُ الكلمةُ بما يُحِيلُ المعنى ولا يَقَعُ مثلُ ذلك في الأَخْذِ من أفواهِ الرجالِ، وكذلك التحديثُ من الْحِفْظِ يَقَعُ فيه الوَهْمُ ؛ بخِلافِ الروايةِ من كتابٍ مُحَرَّرٍ ) اهـ.
ولابنِ خَلدونَ مَبحثٌ نَفيسٌ في هذا ؛ كما في ( الْمُقَدِّمَةِ ) له .
ولبعضِهم:
مَن لم يُشَافِهْ عالِمًا بأصُولِهِ = فيَقِينُه في الْمُشكِلاتِ ظُنُونُ
وكان أبو حَيَّانَ كثيرًا ما يُنْشِدُ:
يَظُنُّ الغَمْرُ أنَّ الكُتُبَ تَهْـدِي= أَخَـا فَهْـمٍ لإدراكِ العلـومِ
وما يَدْرِي الْجَهولُ بأنَّ فيهـا = غوامِضَ حَيَّرَتْ عَقْلَ الْفَهِيـمِ
إذا رُمْتَ العلومَ بغيـرِ شيـخٍ = ضَلَلْتَ عن الصراطِ المستقيـمِ
وتَلْتَبِسُ الأمورُ عليـك حتـى= تصيرَ أَضَلَّ من ( تُومَا الحكيمِ )
هذه الكلمات فيها ما أشرنا إليه من قبل, أن الأخذ عن العلماء والمشايخ أفضل من الأخذ من الكتب, وبين فيما نقله هنا في الرد على ابن بطلان.
قال: ( يوجد في الكتاب أشياء تصد عن العلم, وهي معدومة عند المعلم وهي: التصحيف العارض من اشتباه الحروف مع عدم النقط ) وكانوا فيما سبق يكتبون بلا نقط فيخطئ الإنسان, فمثلاً ربما تجد كلمة ( بز ): اشتريت بزا بصاع من تمر بدون مقابضة . إذا لم يكن فيها نقطه ( برا ) ومعلوم أنك إذا اشتريت برا بتمر بدون مقابضة فالبيع غير صحيح , فتختلف الأحكام باختلاف النقط.
كذلك الغلط بزوغان البصر يعني يزيغ بصره فيرى الكلمة على صورة غير حقيقتها لا سيما إذا كان الكتاب ليس جيدا, فمثلا بعض الناس إذا كتب كلمة زين ربط طرف النون بطرفها الأول فتكون كأنها زيوه أليس كذلك؟ فيحصل الخطأ.
كذلك قلة الخبرة بالإعراب, والإعراب له أثر في تغيير المعنى. فإذا قرأ مثلا: (وكلم اللهَ موسى تكليما) وهو إنسان لا يعرف الإعراب والكلمة ما شكلت، ربما يقول: (وكلم اللهَ موسى تكليما) فيختلف المعنى اختلافا عظيما، (أو فساد الموجود منه) في علم الإعراب و( إصلاح الكتاب, وكتابة ما لا يقرأ, وقراءة ما لا يكتب) كل هذا يعتري من يأخذ العلم عن الكتاب.
كذلك ( مذهب صاحب الكتاب ) ربما يكون مذهبه مذهب معتزلي أو جهمي أو غيره وأنت لا تدري.
وكذلك ( سقم النسخ , رداءة النقل , إدماج القارئ مواضع المقاطع) , وكل هذا خلل عظيم (إدماج القارئ مواضع المقاطع) يعني معناه أن الكلمة لا بد أن تقف عليها, فيأتي القارئ ليقرأ الكتاب فيقرأها مع ما بعدها فيختلف المعنى ( وخلط مبادئ التعليم ) بحيث لا يميز بعضها عن بعض , بمعنى أن الكاتب قد لا يكون متقناً فيغلط هذا مع هذا, والمبتدئ لا يعرف (ذكر ألفاظ مصطلح عليها في تلك الصناعة) وهو لا يدري مثلا تأتيك كلمة في المصطلح ( معضل، منقطع ) ما معنى المعضل؟ إذا لم يكن عنده علم أشكل عليه هذا الشيء .
يقول: ( ألفاظ يونانية لم يخرجها الناقل من اللغة كالنوروس ), هذه العبارة لا بد أن تفهم! ما هو النوروس ؟ طائر؟ والله ما أدري , لأن الطائر ما يكون ألفاظ يونانية فلعله اسم لعلم من العلوم.
يقول: ( فهذه كلها معوقة عن العلم , وقد استراح المتعلم من تكلفها عند قراءته على المعلم وإذا كان الأمر على هذه الصورة فالقراءة على العلماء أجدى وأفضل من قراءة الإنسان لنفسه وهو ما أردنا بيانه )
ثم نقل عن بعض العلماء أنه قال: ( لا تأخذ العلم من صحفي ولا عن مُصحفي يعني لا تقرأ القرآن على من قرأ من المصحف, ولا الحديث وغيره على من أخذ ذلك من الصحف) .
وهذا كله فيما إذا كانت الكتب التي يقرأ منها ليس فيها بيان, أما إذا كان فيها بيان, كالموجود الآن من المصاحف والحمد لله فهو واضح ما فيه إشكال، يعني معناه أن الإنسان يلحق كلمة غير مكتوبة ظنا منه أن المعنى لا يتم إلا بها فيقرأ ما ليس مكتوبا.
فيه أيضاً الأبيات التي ذكر: من لم يشافه عالماً بأصوله = فيقينه في المشكلات ظنون
يعني إذا وردت المشكلة وقال الحكم كذا وكذا يقيناً فهو ظن حتى يقول أنا عالم .
أما: يَظُنُّ الغَمْرُ أنَّ الكُتُبَ تَهْـدِي = أَخَـا فَهْـمٍ لإدراكِ العلـومِ
من هو الغمر: الصغير.
وما يَدْرِي الْجَهولُ بأنَّ فيهـا = غوامِضَ حَيَّرَتْ عَقْلَ الْفَهِيـمِ
إذا رُمْتَ العلومَ بغيـرِ شيـخٍ = ضَلَلْتَ عن الصراطِ المستقيـمِ
وتَلْتَبِسُ الأمورُ عليـك حتـى= تصيرَ أَضَلَّ من ( تُومَا الحكيمِ )
( توما الحكيم ): مشهور بالغباوة لكنه يدعي العلم وقال على حاله بعض الشعراء :
حمار الحكيم توما = لو أنصف الدهر كنت أركب
لأنني جاهل بسيط = وصاحبي جاهل مركب
أفهمتم؟
يقول : لو أنصف الدهر - طبعاً الكلمة هذه غير مقبولة لكن هذا الشاعر يقولها.
(كنت أركب) يعني هذا الحمار يركب على صاحبه وليس العكس.
لأنني جاهل بسيط = وصاحبي جاهل مركب
وهنا يقول :
إذا رُمْتَ العلومَ بغيـرِ شيـخٍ= ضَلَلْتَ عن الصراطِ المستقيـمِ
وتَلْتَبِسُ الأمورُ عليـك حتـى= تصيرَ أَضَلَّ من ( تُومَا الحكيمِ )
_________________
تعليقات
إرسال تعليق