الذبح والنحر ... طواف الإفاضة ... البيات في منى ... طواف الوداع

الذبح والنحر

95- ثم يأتي المنحر في منى فينحر هديه وهذا هو السنة.

96- لكن يجوز له أن ينحر في أي مكان آخر من منى وكذلك في مكة لقوله صلى الله عليه وسلم:
"قد نحرت هاهنا ومنى كلها منحر وكل فجاج مكة طريق ومنحر فانحروا في رحالكم"(1).

97- والسنة أن يذبح أو ينحر بيده إن تيسر له وإلا أناب عنه غيره.

98- ويذبحها مستقبلا بها القبلة(2)، فيضعها على جانبها 
الأيسر، ويضع قدمه اليمنى على جانبها الأيمن(3).

99- وأما الإبل فالسنة أن ينحرها وهي قائمة معقولة اليسرى قائمة على ما بقي من قوائمها(4)، ووجهها قبل القبلة(5).

100- ويقول عند الذبح أو النحر: بسم الله والله أكبر. اللهم إن هذا منك ولك(6) اللهم تقبل مني(7).

101- ووقت الذبح أربعة أيام العيد يوم النحر وهو يوم الحج الأكبر(8) وثلاثة أيام التشريق لقوله صلى الله عليه وسلم:
"كل أيام التشريق ذبح"(9). 

102- وله أن يأكل من هديه وأن يتزود منه إلى بلده كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.

103- وعليه أن يطعم منها الفقراء وذوي الحاجة لقوله تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ}(10).

104- ويجوز أن يشترك سبعة في البعير والبقرة.

105- فمن لم يجد هديا فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله.

106- ويجوز له أن يصوم في أيام في أيام التشريق الثلاثة لحديث عائشة وابن عمر رضي الله عنهما قالا:
لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي(11).

107 - ثم يحلق رأسه كله أو يقصره والأول أفضل لقوله صلى الله عليه وسلم: 
"اللهم ارحم المحلقين". قالوا: والمقصرين يا رسول الله قال: "اللهم ارحم المحلقين". قالوا: والمقصرين يا رسول الله فلما كانت الرابعة قال: "والمقصرين"(12).

108- والسنة أن يبدأ الحالق بيمين المحلوق كما في حديث أنس رضي الله عنه(13).

109- والحلق خاص بالرجال دون النساء وإنما عليهن التقصير لقوله صلى الله عليه وسلم: "ليس على النساء حلق إنما على النساء التقصير"(14)، فتجمع شعرها فتقص منه قدر الأنملة(15).

110- ويسن للإمام أن يخطب يوم النحر بمنى(16) بين الجمرات(17) حين ارتفاع الضحى(18)، يعلم الناس مناسكهم(19).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قلت: وفي هذا الأمر توسعة للحجاج وقضاء على القسم الأكبر من مشكلة تكدس الذبائح في المنحر واضطرار أولي الأمر هناك إلى دفنها في الأرض ومن شاء البسط فليراجع الأصل "ص 87 - 88".
(2) فيه حديث مرفوع عن جابر عند أبي داود وغيره مخرج في "الإرواء" "1138" وآخر عند البيهقي "9 / 285" وروي عن ابن عمر أنه كان يستحب أن يستقبل القبلة إذا ذبح. وروى عبد الرزاق "8585" بإسناد صحيح عنه أنه كان يكره أن يأكل ذبيحة ذبحت لغير القبلة.
(3) قال الحافظ "10 / 16":
"ليكون أسهل على الذابح في أخذ السكين باليمين وإمساك راسها بيده اليسار"
قلت: وإضجاعها ووضع القدم على صفحتها مما أخرجه الشيخان.
(4) صحيح أبي داود "1550" وفيه بعده شاهد من حديث ابن عمر نحوه أخرجه الشيخان.
(5) رواه مالك بسند صحيح عن ابن عمر موقوفا وعلقه البخاري بصيغة الجزم رقم "330" من "مختصر ي للبخاري".
(6) أخرجه أبو داود وغيره من حديث جابر وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري رواه أبو يعلى كما في "المجمع" "4 / 22" وهو مخرج في "الإرواء" "1118".
(7) رواه مسلم وغيره عن عائشة وهو مخرج في المصدر السابق وزاد شيخ الإسلام في "منسكه": "كما تقبلت من إبراهيم خليلك". ولم أقف عليها في شيء من كتب السنة التي في متناول يدي.
(8) علقه البخاري ووصله أبو داود وغيره. "صحيح أبي داود" "1700 و1701".
(9) أخرجه أحمد وصححه ابن حبان وهو قوي عندي بمجموع طرقه ولذلك خرجته في "الصحيحة" "2476".
(10) "القانع": السائل و "المعتر": الذي يعتر بالبدن يطيف بها معترضا لها من غني أو فقير.
(11) رواه البخاري وغيره وهو مخرج في "إرواء الغليل" "964" وأما قول شيخ الإسلام "ص 388": "فلا بد للمتمتع من صوم بعض الثلاثة قبل الإحرام بالحج يوم التروية" فلا أعلم وجهه بل هو بظاهره مخالف للآية والحديث والله أعلم.
(12) رواه الشيخان وغيرهما من حديث ابن عمر وغيره وهو مخرج في المصدر السابق "1084".
(13) رواه مسلم وغيره وهو مخرج في "الإرواء" "1085" و "صحيح أبي داود" "1730". وهذه المسألة مما اعترف العلامة ابن همام الحنفي أن الحنفية خالفوا فيها السنة فماذا يقول المقلدة في اعتراف هذا الإمام الهمام ؟!.
(14) وهو حديث صحيح مخرج في "الأحاديث الصحيحة" "605" وأوردته في "صحيح أبي داود" "1732".
(15) قال شيخ الإسلام: "وإذا قصره جميع الشعر وقص منه بقدر الأنملة أو أقل أو أكثر والمرأة لا تقص أكثر من ذلك وأما الرجل فله أن يقصره ما شاء".
(16) رواه البخاري وأبو داود عن جمع من الصحابة انظر "صحيح أبي داود" "1705 و1707 و1709 و1710" و "مختصر البخاري" "847".
(17) رواه البخاري تعليقا ووصله أبو داود انظر "صحيح أبي داود" "1700" و "إرواء الغليل" "1064".
(18) رواه أبو داود وغيره انظر "صحيح أبي داود" "1709".
(19) رواه أبو داود وغيره انظر "صحيح أبي داود" "1710".


______________________________



طواف الإفاضة

111- ثم يفيض من يومه إلى البيت فيطوف به سبعا كما تقدم في طواف القدوم إلا أنه لا يضطبع ولا يرمل.

112- ومن السنة أن يصلي ركعتين عند المقام كما قال الزهري(1)، وفعله ابن عمر(2)، وقال: على كل سبع ركعتان(3).

113- ثم يطوف ويسعى بين الصفا والمروة كما تقدم أيضا خلافا للقارن والمفرد فيكفيهما السعي الأول.

114- وبهذا الطواف يحل له كل شيء حرم عليه بالإحرام حتى نساؤه.

115- ويصلي الظهر بمكة وقال ابن عمر: بمنى(4).

116- ويأتي زمزم فيشرب منها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) علقه البخاري ووصله ابن أبي شيبة وغيره راجع "مختصر البخاري" رقم "319 ج 1 ص 386".
(2) علقه البخاري ووصله عبد الرزاق راجع المصدر المذكور رقم "318".
(3) رواه عبد الرزاق "9012" بسند صحيح عنه.
(4) قلت: والله أعلم أيهما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحتمل أنه صلى بهم مرتين مرة في مكة ومرة في منى الأولى فريضة والثانية نافلة وكما وقع له في بعض حروبه صلى الله عليه وآله وسلم.


______________________________


البيات في منى:

117- ثم يرجع إلى منى فيمكث بها أيام التشريق بلياليها.

118- ويرمي فيها الجمرات الثلاث كل يوم بعد الزوال بسبع حصيات لكل جمرة كما تقدم في الرمي يوم النحر "86 90".

119- ويبدأ بالجمرة الأولى وهي الأقرب إلى مسجد الخيف فإذا فرغ من رميها تقدم قليلا عن يمينه فيقوم مستقبلا القبلة قياما طويلا ويدعو ويرفع يديه(1).

120- ثم يأتي الجمرة الثانية فيرميها كذلك ثم يأخذ ذات الشمال فيقوم مستقبل القبلة قياما طويلا ويدعو ويرفع يديه(1).

121- ثم يأتي الجمرة الثالثة وهي جمرة العقبة فيرميها كذلك ويجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه ولا يقف عندها(1).

122- ثم يرمي اليوم الثاني واليوم الثالث كذلك.

123- وإن انصرف بعد رميه في اليوم الثاني ولم يبت للرمي في اليوم الثالث جاز لقوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} لكن التأخر للرمي أفضل لأنه السنة(2).

124- والسنة الترتيب بين المناسك المتقدمة: الرمي فالذبح أو النحر فالحلق فطواف الإفاضة فالسعي للمتمتع لكن إن قدم شيئا منها أو أخر جاز لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا حرج لا حرج".

125- ويجوز للمعذور في الرمي ما يأتي:
 أ- أن لا يبيت في منى لحديث ابن عمر:
"استأذن العباس رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له"(3).
ب- وأن يجمع رمي يومين في واحد لحديث عاصم بن عدي قال:
"رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لرعاء الإبل في البيتوتة أن يرموا يوم النحر ثم يجمعوا رمي يومين بعد النحر فيرمونه في أحدهما"(4).
ج- وأن يرمى في الليل بقوله صلى الله عليه وسلم: "الراعي يرمي بالليل ويرعى بالنهار"(5).

126- ويشرع له أن يزور الكعبة ويطوف بها كل ليلة من ليالي منى لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك(6).

127- ويجب على الحاج في أيام منى أن يحافظ على الصلوات الخمس مع الجماعة والأفضل أن يصلي في مسجد الخيف إن تيسر له لقوله صلى الله عليه وسلم:
"صلى في مسجد الخيف سبعون نبيا"(7).

128- فإذا فرغ من الرمي في اليوم الثاني أو الثالث من أيام التشريق فقد انتهى من مناسك الحج فينفر إلى مكة ويقيم فيها ما كتب الله له وليحرص على أداء الصلاة جماعة ولا سيما في المسجد الحرام لقوله عليه الصلاة والسلام: 
"صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه"(8).

129- ويكثر من الطواف والصلاة في أي وقت شاء من ليل أو نهار ولقوله صلى الله عليه وسلم في الركنين الأسود واليماني:
"مسحهما يحط الخطايا ومن طاف بالبيت لم يرفع قدما ولم يضع قدما إلا كتب الله له حسنة وحط عنه خطيئة وكتب له درجة ومن أحصى أسبوعا كان كعتق رقبة"(9). وقوله:
"يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار"(10).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ثبت ذلك كله في حديث ابن مسعود عند الشيخين وغيرهما وما في بعض "المناسك" أنه يستقبل القبلة في رمي جمرة العقبة فهو خلاف هذا الحديث الصحيح وما خالفه شاذ بل منكر كما بينته في "الضعيفة" "4864".
(2) قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
"فإذا غربت الشمس وهو بمنى أقام حتى يرمي مع الناس في اليوم الثالث".
قلت: وعليه جماهير العلماء خلافا لما ذهب إليه ابن حزم في "المحلى" "7 / 185" واستدل لهم النووي بمفهوم قوله تعالى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} فقال في "المجموع" "8 / 283": "واليوم اسم للنهار دون الليل" وبما ثبت عن عمر وابنه عبد الله قالا: من أدركه المساء في اليوم الثاني بمنى فليقم إلى الغد حتى ينفر مع الناس". ولفظ "الموطأ" عن ابن عمر: "لا ينفرن حتى يرمي الجمار من الغد". وأخرجه عن مالك الإمام محمد في "موطئه" "ص 233 التعليق الممجد" وقال: "وبهذا نأخذ وهو قول أبي حنيفة والعامة" 
(3) رواه الشيخان وغيرهما وهو مخرج في "الإرواء" "1079" وقد نبهت فيه على أن عزوه في الأصل لحديث ابن عباس وهم.
(4) أخرجه أصحاب "السنن" وصححه جماعة وهو مخرج في المصدر السابق برقم "1080".
(5) حديث حسن أخرجه البزار والبيهقي وغرهما عن ابن عباس وحسن إسناده الحافظ وله شواهد خرجتها في "الصحيحة" "2477".
(6) علقه البخاري "287 مختصري للبخاري" ووصله جمع ذكرتهم في "الصحيحة" "804".
(7) أخرجه الطبراني والضياء المقدسي في "المختارة" وحسن إسناده المنذري وهوكما قال باعتبار أن له طريقا أخرى كما حققته في "تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد" "ص 106 107 الطبعة الثانية المكتب الإسلامي".
(8) أخرجه أحمد وغيره من حديث جابر مرفوعا بإسناد صحيح وصححه جمع ذكرتهم في "الإرواء" "1129".
(9) أخرجه الترمذي وغيره وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وغيرهم وهو مخرج في "المشكاة" "258" و "الترغيب" "2 / 120 و122".
(10) رواه أصحاب السنن وغيرهم وصححه الترمذي والحاكم والذهبي وهو مخرج في "الإرواء" "481"


______________________________


طواف الوداع:

130 - فإذا انتهى من قضاء حوائجه وعزم على الرحيل فعليه أن يودع البيت بالطواف لحديث ابن عباس قال:
كان الناس ينصرفون في كل وجه فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
"لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده الطواف بالبيت"(1).

131- وقد كانت المرأة الحائض أمرت أن تنتظر حتى تطهر لتطوف الوداع(2) ثم رخص لها أن تنفر ولا تنتظر لحديث ابن عباس أيضا:
"أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للحائض أن تصدر قبل أن تطوف إذا كانت قد طافت طواف الإفاضة"(3).

132- وله أن يحمل معه ماء زمزم ما تيسر له تبركا به فقد: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمله معه في الأداوي والقرب وكان يصب على المرضى ويسقيهم"(4) بل إنه:
"كان يرسل وهو بالمدينة قبل أن تفتح مكة إلى سهيل بن عمرو: أن أهد لنا من ماء زمزم ولا تترك فيبعث إليه بمزادتين"(5).

133- فإذا انتهى من الطواف خرج كما يخرج الناس من المساجد فلا يمشي القهقري ويخرج مقدما رجله اليسرى(6) قائلا: اللهم صل على محمد وسلم اللهم إني أسألك من فضلك.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه مسلم وغيره والبخاري بنحوه وهو مخرج في "الإرواء" "1086" و "صحيح أبي داود" "1747".
(2) ثبت هذا في حديث الحارث بن عبد الله بن أوس عند أحمد وغيره وهو مخرج في "صحيح أبي داود" "1748"
(3) أخرجه أحمد بإسناد صحيح على شرط الشيخين وقد أخرجاه بنحوه كما هو مبين في "الإرواء" "1086" وله شاهد من حديث عائشة عندهما وهو مخرج في "صحيح أبي داود" "1748".
(4) أخرجه البخاري في "التاريخ" والترمذي وحسنه من حديث عائشة رضي الله عنها وهو مخرج في "الأحاديث الصحيحة" "883"
(5) أخرجه البيهقي بإسناد جيد عن جابر رضي الله عنه. وله شاهد مرسل صحيح في "مصنف عبد الرزاق" "9127" وذكر ابن تيمية أن السلف كانوا يحملونه.
(6) انظر تخريج الفقرة المتقدمة 24 - ص 18.
_________________
كتاب مناسك الحج والعمرة
تأليف: محمد ناصر الدين الالباني الناشر: مكتبة المعارف الاولى
إعداد موقع روح الاسلام معالتعديل اليسير




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة