ذِكْرُ مَا وَرَدَ فِي قِصَّةِ سَطِيحٍ وَخُمُودِ النِّيرَانِ لَيْلَةَ الْمَوْلِدِ وَانْشِقَاقِ الْإِيوَانِ .............
ذِكْرُ مَا وَرَدَ فِي قِصَّةِ سَطِيحٍ
وَخُمُودِ النِّيرَانِ لَيْلَةَ الْمَوْلِدِ وَانْشِقَاقِ الْإِيوَانِ
قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَغَيْرُهُ : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ الطَّائِيُّ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو أَيُّوبَ يَعْلَى بْنُ عِمْرَانَ الْبَجَلِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي مَخْزُومُ بْنُ هَانِئٍ الْمَخْزُومِيُّ ، عَنْ أَبِيهِ ، وَكَانَ قَدْ أَتَتْ عَلَيْهِ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً ، قَالَ : لَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْتَجَسَ إِيوَانُ كِسْرَى ، وَسَقَطَتْ مِنْهُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ شُرْفَةً ، وَغَاضَتْ بُحَيْرَةُ سَاوَةَ ، وَخَمَدَتْ نَارُ فَارِسَ ، وَلَمْ تَخْمُدْ قَبْلَ ذَلِكَ بِأَلْفِ عَامٍ ، وَرَأَى الْمُوبَذَانُ إِبِلًا صِعَابًا تَقُودُ خَيْلًا عِرَابًا قَدْ قَطَعَتْ دِجْلَةَ وَانْتَشَرَتْ فِي بِلَادِهَا ، فَلَمَّا أَصْبَحَ كِسْرَى أَفْزَعَهُ مَا رَأَى مِنْ شَأْنِ إِيوَانِهِ فَصَبَرَ عَلَيْهِ تَشَجُّعًا ، ثُمَّ رَأَى أَنْ لَا يَسْتُرَ ذَلِكَ عَنْ وُزَرَائِهِ وَمَرَازِبَتِهِ ، فَلَبِسَ تَاجَهُ وَقَعَدَ عَلَى سَرِيرِهِ وَجَمَعَهُمْ ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا عِنْدَهُ ، قَالَ : أَتَدْرُونَ فِيمَ بَعَثْتُ إِلَيْكُمْ ؟ قَالُوا : لَا إِلَّا أَنْ يُخْبِرَنَا الْمَلِكُ ، فَبَيْنَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ أُورِدَ عَلَيْهِمْ كِتَابٌ بِخُمُودِ النَّارِ ، فَازْدَادَ غَمًّا إِلَى غَمِّهِ ، فَقَالَ الْمُوبَذَانُ : وَأَنَا قَدْ رَأَيْتُ أَصْلَحَ اللَّهُ الْمَلِكَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ رُؤْيَا ، ثُمَّ قَصَّ عَلَيْهِ رُؤْيَاهُ فَقَالَ : أَيُّ شَيْءٍ يَكُونُ هَذَا يَا مُوبَذَانُ ؟ قَالَ : حَدَثٌ يَكُونُ فِي نَاحِيَةِ الْعَرَبِ ، وَكَانَ أَعْلَمَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ ، فَكَتَبَ كِسْرَى عِنْدَ ذَلِكَ :
" مِنْ كِسْرَى مَلِكِ الْمُلُوكِ إِلَى النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ ، أَمَّا بَعْدُ ، فَوَجِّهْ إِلَيَّ بِرَجُلٍ عَالِمٍ بِمَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنْهُ . فَوَجَّهَ إِلَيْهِ بِعَبْدِ الْمَسِيحِ بْنِ حَيَّانَ بْنِ بُقَيْلَةَ الْغَسَّانِيِّ ، فَلَمَّا قَدِمَ ، عَلَيْهِ قَالَ لَهُ : هَلْ لَكَ عِلْمٌ بِمَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْهُ ؟ قَالَ : لِيَسْأَلْنِي الْمَلِكُ فَإِنْ كَانَ عِنْدِي عِلْمٌ وَإِلَّا أَخْبَرْتُهُ بِمَنْ يُعْلِمُهُ ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا رَأَى ، فَقَالَ : عِلْمُ ذَلِكَ عِنْدَ خَالٍ لِي يَسْكُنُ مَشَارِفَ الشَّامِ يُقَالُ لَهُ سَطِيحٌ ، قَالَ : فَأْتِهِ فَسَلْهُ عَمَّا سَأَلْتُكَ وَأْتِنِي بِجَوَابِهِ ، فَرَكِبَ حَتَّى أَتَى عَلَى سَطِيحٍ وَقَدْ أَشْفَى عَلَى الْمَوْتِ ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَحَيَّاهُ فَلَمْ يُحِرْ سَطِيحٌ جَوَابًا ، فَأَنْشَأَ عَبْدُ الْمَسِيحِ يَقُولُ :
أَصَمٌّ أَمْ يَسْمَعُ غِطْرِيفُ الْيَمَنْ أَمْ فَادَ فَازْلَمَّ بِهِ شَأْوُ الْعَنَنْ يَا فَاصِلَ الْخُطَّةِ أَعْيَتْ مَنْ وَمَنْ
أَتَاكَ شَيْخُ الْحَيِّ مِنْ آلِ سَنَنْ وَأُمُّهُ مِنْ آلِ ذِئْبِ بْنِ حَجَنْ
أَزْرَقُ بَهْمُ النَّابِ صِرَّارُ الْأُذُنْ أَبْيَضُ فَضْفَاضُ الرِّدَاءِ وَالْبَدَنْ
رَسُولُ قَيْلِ الْعُجْمِ يَسْرِي لِلْوَسَنْ يَجُوبُ فِي الْأَرْضِ عَلَنْدَاةٌ شُجُنْ
تَرْفَعُنِي وَجَنٌ وَتَهْوِي بِي وَجَنْ لَا يَرْهَبُ الرَّعْدَ وَلَا رَيْبَ الزَّمَنْ
كَأَنَّمَا حُثْحِثَ مِنْ حِضْنَيْ ثَكَنْ حَتَّى أَتَى عَارِي الْجَآجِي وَالْقَطَنْ
تَلُفُّهُ فِي الرِّيحِ بَوْغَاءُ الدِّمَنْ
فَقَالَ سَطِيحٌ : عَبْدُ الْمَسِيحْ ، جَاءَ إِلَى سَطِيحْ ، وَقَدْ أَوْفَى عَلَى الضَّرِيحْ ، بَعَثَكَ مَلِكُ بْنُ سَاسَانْ ، لِارْتِجَاسِ الْإِيوَانْ ، وَخُمُودِ النِّيرَانْ ، وَرُؤْيَا الْمُوبَذَانْ ، رَأَى إِبِلًا صِعَابًا ، تَقُودُ خَيْلًا عِرَابًا ، قَدْ قَطَعَتْ دِجْلَةَ ، وَانْتَشَرَتْ فِي بِلَادِهَا ، يَا عَبْدَ الْمَسِيحِ إِذَا كَثُرَتِ التِّلَاوَهْ ، وَظَهْرَ صَاحِبُ الْهِرَاوَهْ ، وَفَاضَ وَادِي السَّمَاوَهْ ، وَخَمَدَتْ نَارُ فَارِسَ ، فَلَيْسَ الشَّامُ لِسَطِيحٍ شَامًا ، يُمَلَّكُ مِنْهُمْ مُلُوكٌ وَمَلِكَاتْ ، عَلَى عَدَدِ الشُّرُفَاتْ ، وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ آتْ . ثُمَّ قَضَى سَطِيحٌ مَكَانَهُ ، وَسَارَ عَبْدُ الْمَسِيحِ إِلَى رَحْلِهِ ، وَهُوَ يَقُولُ :
شَمِّرْ فَإِنَّكَ مَاضِي الْهَمِّ شِمِّيرُ لَا يُفْزِعَنَّكَ تَفْرِيقٌ وَتَغْيِيرُ
إِنْ يُمْسِ مُلْكُ بَنِي سَاسَانَ أَفْرَطَهُمْ فَإِنَّ ذَا الدَّهْرِ أَطْوَارٌ دَهَارِيرُ
فَرُبَّمَا رُبَّمَا أَضْحَوْا بِمَنْزِلَةٍ تَهَابُ صَوْلَهُمُ الْأُسْدُ الْمَهَاصِيرُ
مِنْهُمْ أَخُو الصَّرْحِ بَهْرَامٌ وَإِخْوَتُهُ وَالْهُرْمُزَانُ وَسَابُورٌ وَسَابُورُ
وَالنَّاسُ أَوْلَادُ عَلَّاتٍ فَمَنْ عَلِمُوا أَنْ قَدْ أَقَلَّ فَمَحْقُورٌ وَمَهْجُورُ
وُهُمْ بَنُو الْأُمِّ إِمَّا إِنْ رَأَوْا نَشَبًا فَذَاكَ بِالْغَيْبِ مَحْفُوظٌ وَمَنْصُورُ
وَالْخَيْرُ وَالشَّرُّ مَصْفُودَانِ فِي قَرَنٍ فَالْخَيْرُ مُتَّبَعٌ وَالشَّرُّ مَحْذُورُ
فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى كِسْرَى أَخْبَرَهُ بِقَوْلِ سَطِيحٍ ، فَقَالَ كِسْرَى : إِلَى مَتَى يَمْلِكُ مِنَّا أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَلِكًا تَكُونُ أُمُورٌ ، فَمَلَكَ مِنْهُمْ عَشَرَةٌ أَرْبَعَ سِنِينَ ، وَمَلَكَ الْبَاقُونَ إِلَى آخِرِ خِلَافَةِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ . هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ غَرِيبٌ .
وَبِإِسْنَادِي إِلَى الْبَكَّائِيِّ ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ ، قَالَ : كَانَ رَبِيعَةُ بْنُ نَصْرٍ مَلِكُ الْيَمَنِ بَيْنَ أَضْعَافِ مُلُوكِ التَّبَابِعَةِ ، فَرَأَى رُؤْيَا هَالَتْهُ وَفَظَعَ مِنْهَا ، فَلَمْ يَدَعْ كَاهِنًا وَلَا سَاحِرًا وَلَا عَائِفًا وَلَا مُنَجِّمًا مِنْ أَهْلِ مَمْلَكَتِهِ إِلَّا جَمَعَهُ إِلَيْهِ ، فَقَالَ لَهُمْ : إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ رُؤْيَا هَالَتْنِي فَأَخْبِرُونِي بِهَا وَبِتَأْوِيلِهَا . قَالُوا : اقْصُصْهَا عَلَيْنَا نُخْبِرْكَ بِتَأْوِيلِهَا . قَالَ : إِنِّي إِنْ أَخْبَرْتُكُمْ بِهَا لَمْ أَطْمَئِنَّ إِلَى خَبَرِكُمْ عَنْ تَأْوِيلِهَا ، إِنَّهُ لَا يَعْرِفُ تَأْوِيلَهَا إِلَّا مَنْ عَرَفَهَا . فَقِيلَ لَهُ : إِنْ كَانَ الْمَلِكُ يُرِيدُ هَذَا فَلْيَبْعَثْ إِلَى سَطِيحٍ وَشِقٍّ فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَعْلَمَ مِنْهُمَا ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمَا فَقَدِمَ سَطِيحٌ قَبْلَ شِقٍّ ، فَقَالَ لَهُ : رَأَيْتَ حُمَمَهْ خَرَجَتْ مِنْ ظُلْمَهْ ، فَوَقَعَتْ بِأَرْضٍ تَهِمَهْ ، فَأَكَلَتْ مِنْهَا كُلَّ ذَاتِ جُمْجُمَهْ . قَالَ : مَا أَخْطَأْتَ مِنْهَا شَيْئًا ، فَمَا تَأْوِيلُهَا ؟ فَقَالَ : أَحْلِفُ بِمَا بَيْنَ الْحَرَّتَيْنِ مِنْ حَنَشْ ، لَيَهْبِطَنَّ أَرْضَكُمُ الْحَبَشْ ، فَلْيَمْلِكُنَّ مَا بَيْنَ أَبْيَنَ إِلَى جُرَشْ .
فَقَالَ الْمَلِكُ : وَأَبِيكَ يَا سَطِيحُ إِنَّ هَذَا لَنَا لَغَائِظٌ مُوجِعٌ ، فَمَتَى هُوَ كَائِنٌ أَفِي زَمَانِهِ أَمْ بَعْدَهُ ؟
قَالَ : بَلْ بَعْدَهُ بِحِينْ ، أَكْثَرَ مِنْ سِتِّينَ أَوْ سَبْعِينَ يَمْضِينَ مِنَ السِّنِينْ ، قَالَ : أَفَيَدُومُ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِهِمْ أَمْ يَنْقَطِعُ ؟ قَالَ : بَلْ يَنْقَطِعُ لِبِضْعٍ وَسَبْعِينَ مِنَ السِّنِينْ ، ثُمَّ يُقْتَلُونَ وَيَخْرُجُونَ هَارِبِينْ . قَالَ : مَنْ يَلِي ذَلِكَ مِنْ قَتْلِهِمْ وَإِخْرَاجِهِمْ ؟ قَالَ : يَلِيهِ إِرَمُ ذِي يَزَنَ ، يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ مِنْ عَدَنْ فَلَا يَتْرُكُ مِنْهُمْ أَحَدًا بِالْيَمَنْ . قَالَ : أَفَيَدُومُ ذَلِكَ ؟ قَالَ : بَلْ يَنْقَطِعُ بِنَبِيٍّ زَكِيْ يَأْتِيهِ الْوَحْيُ مِنْ قِبَلِ الْعَلِيْ . قَالَ : وَمِمَّنْ هُوَ ؟ قَالَ : مِنْ وَلَدِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ يَكُونُ الْمُلْكُ فِي قَوْمِهِ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ قَالَ : وَهَلْ لِلدَّهْرِ آخِرٌ قَالَ : نَعَمْ يَوْمَ يُجْمَعُ فِيهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونْ ، يَسْعَدُ فِيهِ الْمُحْسِنُونْ ، وَيَشْقَى فِيهِ الْمُسِيئُونْ . قَالَ : أَحَقٌّ مَا تُخْبِرُنِي ؟ قَالَ : نَعَمْ وَالشَّفَقِ وَالْغَسَقْ ، وَالْفَلَقِ إِذَا اتَّسَقْ ، إِنَّ مَا أَنْبَأْتُكَ بِهِ لَحَقْ .
ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْهِ شِقٌّ ، فَقَالَ لَهُ كَقَوْلِهِ لِسَطِيحٍ ، وَكَتَمَهُ مَا قَالَ سَطِيحٌ لِيَنْظُرَ أَيَتَّفِقَانِ . قَالَ : نَعَمْ رَأَيْتَ حُمَمَهْ خَرَجَتْ مِنْ ظُلْمَهْ فَوَقَعَتْ بَيْنَ رَوْضَةٍ وَأَكَمَهْ ، فَأَكَلَتْ مِنْهَا كُلُّ ذَاتِ نَسَمَهْ . فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ عَرَفَ أَنَّهُمَا قَدِ اتَّفَقَا ، فَوَقَعَ فِي نَفْسِهِ ، فَجَهَّزَ أَهْلَ بَيْتِهِ إِلَى الْعِرَاقَ ، وَكَتَبَ لَهُمْ إِلَى مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ فَارِسَ يُقَالُ لَهُ سَابُورُ بْنُ خُرَّزَاذَ ، فَأَسْكَنَهُمُ الْحِيرَةَ ، فَمِنْ بَقِيَّةِ وَلَدِ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ : النُّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ ، فَهُوَ فِي نَسَبِ الْيَمَنِ : النُّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَدِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ .
بَابٌ مِنْهُ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " خَرَجْتُ مِنْ لَدُنْ آدَمَ مِنْ نِكَاحٍ غَيْرِ سِفَاحٍ " . هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ ، فِيهِ مَتْرُوكَانِ : الْوَاقِدِيُّ ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي سَبْرَةَ .
وَوَرَدَ مِثْلُهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ عَلِيٍّ ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ إِنْ صَحَّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، وَلَكِنَّ مَعْنَاهُ صَحِيحٌ .
وَقَالَ خَالِدٌ الْحَذَّاءُ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي الْجَدْعَاءِ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَتَى كَنْتَ نَبِيًّا ؟ قَالَ : " وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ " .
وَقَالَ مَنْصُورُ بْنُ سَعْدٍ ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ وَاللَّفْظُ لَهُ : قَالَ : حَدَّثَنَا بُدَيْلُ بْنُ مَيْسَرَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ ، عَنْ مَيْسَرَةَ الْفَجْرِ ، قَالَ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَتَى كُنْتَ نَبِيًّا ؟ قَالَ : " وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ " .
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَتَى وَجَبَتْ لَكَ النُّبُوَّةُ ؟ قَالَ : " بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ وَنَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ " قَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَسَنٌ غَرِيبٌ .
قُلْتُ : لَوْلَا لِينٌ فِي الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ لَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ .
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ : حَدَّثَنِي ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَخْبِرْنَا عَنْ نَفْسِكَ قَالَ : " دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ ، وَبُشْرَى عِيسَى ، وَرَأَتْ أُمِّي حِينَ حَمَلَتْ بِي كَأَنَّ نُورًا خَرَجَ مِنْهَا أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ بُصْرَى مِنْ أَرْضِ الشَّامِ " .
وَرُوِّينَا بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ ، وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ ، وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ : دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ ، وَبِشَارَةُ عِيسَى لِي ، وَرُؤْيَا أُمِّي الَّتِي رَأَتْ " . وَإِنَّ أَمَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَتْ حِينَ وَضَعَتْهُ نُورًا أَضَاءَتْ مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ .
وَرَوَاهُ اللَّيْثُ ، وَابْنُ وَهْبٍ ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ ، سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ سُوَيْدٍ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ هِلَالٍ السُّلَمِيِّ ، عَنِ الْعِرْبَاضِ ، فَذَكَرَهُ .
وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ الْغَسَّانِيُّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ ، عَنِ الْعِرْبَاضِ نَفْسِهِ .
وَقَالَ فَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ : حَدَّثَنَا لُقْمَانُ بْنُ عَامِرٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ ، قَالَ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا كَانَ بَدْءُ أَمْرِكَ ؟ قَالَ : " دَعْوَةُ إِبْرَاهِيمَ ، وَبُشْرَى عِيسَى ، وَرَأَتْ أُمِّي أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ " . رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي " مُسْنَدِهِ " عَنْ أَبِي النَّضْرِ ، عَنْ فَرَجٍ .
قَوْلُهُ : " لَمُنْجَدِلٌ " أَيْ مُلْقًى ،
وَأَمَّا دَعْوَةُ إِبْرَاهِيمَ فَقَوْلُهُ : ( رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ ( 129 ) ) [ الْبَقَرَةِ ]
وَبِشَارَةُ عِيسَى قَوْلُهُ : ( وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ( 6 ) ) [ الصَّفِّ ] .
وَقَالَ أَبُو ضَمْرَةَ : حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " قَسَّمَ اللَّهُ الْأَرْضَ نِصْفَيْنِ فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمَا ، ثُمَّ قَسَّمَ النِّصْفَ عَلَى ثَلَاثَةٍ فَكُنْتُ فِي خَيْرِ ثُلُثٍ مِنْهَا ، ثُمَّ اخْتَارَ الْعَرَبَ مِنَ النَّاسِ ، ثُمَّ اخْتَارَ قُرَيْشًا مِنَ الْعَرَبِ ، ثُمَّ اخْتَارَ بَنِي هَاشِمٍ مِنْ قُرَيْشٍ ، ثُمَّ اخْتَارَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ ، ثُمَّ اخْتَارَنِي مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ " هَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ .
وَرَوَى زَحْرُ بْنُ حِصْنٍ ، عَنْ جَدِّهِ حُمْيَدِ بْنِ مَنْهَبٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ جَدِّي خُرَيْمَ بْنَ أَوْسِ بْنِ حَارِثَةَ يَقُولُ : هَاجَرْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْصَرَفَهُ مِنْ تَبُوكَ ، فَسَمِعْتُ الْعَبَّاسَ ، يَقُولُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَمْتَدِحَكَ . فَقَالَ : " قُلْ لَا يَفْضُضِ اللَّهُ فَاكَ " . فَقَالَ :
مِنْ قَبْلِهَا طِبْتَ فِي الظِّلَالِ وَفِي مستودَعٍ حَيْثُ يُخْصَفُ الْوَرَقُ ثُمَّ هَبَطْتَ الْبِلَادَ لَا بَشَرٌ
أَنْتَ وَلَا مُضْغَةٌ وَلَا عَلَقُ بَلْ نُطْفَةٌ تَرْكَبُ السَّفِينَ وَقَدْ
أَلْجَمَ نَسْرًا وَأَهْلَهُ الْغَرَقُ تُنْقَلُ مِنْ صَالِبٍ إِلَى رَحِمٍ
إِذَا مَضَى عَالَمٌ بَدَا طَبَقُ حَتَّى احْتَوَى بَيْتُكَ الْمُهَيْمِنُ مِنْ
خِنْدَفَ عَلْيَاءَ تَحْتَهَا النُّطُقُ وَأَنْتَ لَمَّا وُلِدْتَ أَشْرَقَتِ الْ-
أَرْضُ وَضَاءَتْ بِنُورِكَ الْأُفُقُ فَنَحْنُ فِي ذَلِكَ الضِّيَاءِ وَفِي النُّو
رِ وَسُبْلِ الرَّشَادِ نَخْتَرِقُ
الظِّلَالُ : ظِلَالُ الْجَنَّةِ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ [ الْمُرْسَلَاتِ ] .
وَالْمستودَعُ : هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي كَانَ فِيهِ آدَمُ وَحَوَّاءُ يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنَ الْوَرَقِ ، أَيْ : يَضُمَّانِ بَعْضَهُ إِلَى بَعْضٍ يَتَسَتَّرَانِ بِهِ ، ثُمَّ هَبَطْتَ إِلَى الدُّنْيَا فِي صُلْبِ آدَمَ ، وَأَنْتَ لَا بَشَرٌ وَلَا مُضْغَةٌ .
وَقَوْلُهُ : " تَرْكَبَ السَّفِينَ " يَعْنِي : فِي صُلْبِ نُوحٍ . وَصَالِبٌ لُغَةٌ غَرِيبَةٌ فِي الصُّلْبِ ، وَيَجُوزُ فِي الصُّلْبِ الْفَتْحَتَانِ كَسُقْمٍ وَسَقَمٍ .
وَالطَّبَقُ : الْقَرْنُ ، أَيْ : كُلَّمَا مَضَى عَالَمٌ وَقَرْنٌ جَاءَ قَرْنٌ ، وَلِأَنَّ الْقَرْنَ يُطَبِّقُ الْأَرْضَ بِسُكْنَاهُ بِهَا . وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الِاسْتِسْقَاءِ : " اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا طَبَقًا غَدَقًا " ، أَيْ : يُطَبِّقُ الْأَرْضَ . وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : ( لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ ( 19 ) ) [ الِانْشِقَاقِ ] أَيْ : حَالًا بَعْدَ حَالٍ .
وَالنُّطُقُ : جَمْعُ نِطَاقٍ وَهُوَ مَا يُشَدُّ بِهِ الْوَسَطُ وَمِنْهُ الْمِنْطَقَةُ . أَيْ : أَنْتَ أَوْسَطُ قَوْمِكَ نَسَبًا . وَجَعَلَهُ فِي عَلْيَاءَ وَجَعَلَهُمْ تَحْتَهُ نِطَاقًا . وَضَاءَتْ : لُغَةٌ فِي أَضَاءَتْ .
( وَأَرْضَعَتْهُ ثُوَيْبَةُ )
وَأَرْضَعَتْهُ " ثُوَيْبَةُ " جَارِيَةُ أَبِي لَهَبٍ عَمِّهِ ، مَعَ عَمِّهِ حَمْزَةَ ، وَمَعَ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا .
قَالَ شُعَيْبٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ : إِنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ وَأُمَّهَا أَخْبَرَتْهُ ، أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ أَخْبَرَتْهُمَا ، قَالَتْ : " قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، انْكِحْ أُخْتِي بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ . قَالَ : أَوَ تُحِبِّينَ ذَلِكَ ؟ قُلْتُ : لَسْتُ لَكَ بِمُخَلِّيَةٍ وَأَحَبُّ إِلَيَّ مَنْ شَرَكَنِي فِي خَيْرٍ أُخْتِي . قَالَ : إِنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ لِي . فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَنَتَحَدَّثُ أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَنْكِحَ دُرَّةَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ . فَقَالَ : وَاللَّهِ لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حِجْرِي مَا حَلَّتْ لِي ، إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ ، أَرْضَعَتْنِي وَأَبَا سَلَمَةَ ثُوَيْبَةُ ، فَلَا تَعْرِضُنَّ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ " . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ .
وَقَالَ عُرْوَةُ فِي سِيَاقِ الْبُخَارِيِّ : ثُوَيْبَةُ مَوْلَاةُ أَبِي لَهَبٍ ، أَعْتَقَهَا ، فَأَرْضَعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهَبٍ رَآهُ بَعْضُ أَهْلِهِ فِي النَّوْمِ بِشَرِّ حِيبَةٍ ، يَعْنِي : حَالَةٍ . فَقَالَ لَهُ : مَاذَا لَقِيتَ ؟ قَالَ : لَمْ أَلْقَ بَعْدَكُمْ رَخَاءً ، غَيْرَ أَنِّي أُسْقِيتُ فِي هَذِهِ مِنِّي بِعِتَاقَتِي ثُوَيْبَةَ . وَأَشَارَ إِلَى النُّقْرَةِ الَّتِي بَيْنَ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا .
( ثُمَّ أَرْضَعَتْهُ حَلِيمَةُ السَّعْدِيَّةُ )
ثُمَّ أَرْضَعَتْهُ حَلِيمَةُ بِنْتُ أَبِي ذُؤَيْبٍ السَّعْدِيَّةُ ، وَأَخَذَتْهُ مَعَهَا إِلَى أَرْضِهَا ، فَأَقَامَ مَعَهَا فِي بَنِي سَعْدٍ نَحْوَ أَرْبَعِ سِنِينَ ، ثُمَّ رَدَّتْهُ إِلَى أُمِّهِ .
قَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ : قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، عَنْ جَهْمِ بْنِ أَبِي جَهْمٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ ، عَنْ حَلِيمَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ أُمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّعْدِيَّةِ ، قَالَتْ : خَرَجْتُ فِي نِسْوَةٍ نَلْتَمِسُ الرُّضَعَاءَ بِمَكَّةَ عَلَى أَتَانٍ لِي قَمْرَاءَ ، قَدْ أَذَمَّتْ بِالرَّكْبِ ، وَخَرَجْنَا فِي سَنَةٍ شَهْبَاءَ لَمْ تُبْقِ شَيْئًا ، وَمَعَنَا شَارِفٌ لَنَا ، وَاللَّهِ إِنْ تَبِضُّ عَلَيْنَا بِقَطْرَةٍ ، وَمَعِي صَبِيٌّ لِي لَنْ نَنَامَ لَيْلَنَا مَعَ بُكَائِهِ ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ لَمْ يَبْقَ مِنَّا امْرَأَةٌ إِلَّا عُرِضَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَأْبَاهُ ، وَإِنَّمَا كُنَّا نَرْجُو كَرَامَةَ رَضَاعِهِ مِنْ أَبِيهِ ، وَكَانَ يَتِيمًا ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْ صَوَاحِبِي امْرَأَةٌ إِلَّا أَخَذَتْ صَبِيًّا ، غَيْرِي . فَقُلْتُ لِزَوْجِي : لَأَرْجِعَنَّ إِلَى ذَلِكَ الْيَتِيمِ فَلْآخُذَنَّهُ ، فَأَتَيْتُهُ فَأَخَذْتُهُ ، فَقَالَ زَوْجِي : عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ فِيهِ خَيْرًا . قَالَتْ : فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ جَعَلْتُهُ فِي حِجْرِي فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ ثَدْيَيَّ بِمَا شَاءَ مِنَ اللَّبَنِ ، فَشَرِبَ وَشَرِبَ أَخُوهُ حَتَّى رَوِيَا ، وَقَامَ زَوْجِي إِلَى شَارِفِنَا مِنَ اللَّيْلِ ، فَإِذَا بِهَا حَافِلٌ ، فَحَلَبَ وَشَرِبْنَا حَتَّى رَوِينَا ، فَبِتْنَا شِبَاعًا رِوَاءً ، وَقَدْ نَامَ صِبْيَانُنَا ، قَالَ أَبُوهُ : وَاللَّهِ يَا حَلِيمَةُ مَا أَرَاكِ إِلَّا قَدْ أَصَبْتِ نَسَمَةً مُبَارَكَةً ، ثُمَّ خَرَجْنَا ، فَوَاللَّهِ لَخَرَجَتْ أَتَانِي أَمَامَ الرَّكْبِ قَدْ قَطَعَتْهُنَّ حَتَّى مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا أَحَدٌ ، فَقَدِمْنَا مَنَازِلَنَا مِنْ حَاضِرِ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ ، فَقَدِمْنَا عَلَى أَجْدَبِ أَرْضِ اللَّهِ ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ كَانُوا لَيُسَرِّحُونِ أَغْنَامَهُمْ وَيَسْرَحُ رَاعِي غَنَمِي ، فَتَرُوحُ غَنَمِي بِطَانًا لُبَّنًا حُفَّلًا ، وَتَرُوحُ أَغْنَامُهُمْ جِيَاعًا ، فَيَقُولُونَ لِرُعَاتِهِمْ : وَيْلَكُمُ أَلَا تُسَرِّحُونَ حَيْثُ يُسَرِّحُ رَاعِي حَلِيمَةَ ؟ فَيُسَرِّحُونَ فِي الشِّعْبِ الَّذِي يَسْرَحُ فِيهِ رَاعِينَا ، فَتَرُوحُ أَغْنَامُهُمْ جِيَاعًا مَا بِهَا مِنْ لَبَنٍ ، وَتَرُوحُ غَنَمِي لُبَّنًا حُفَّلًا .
( شَقُّ الصَّدْرِ )
فَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشِبُّ فِي يَوْمِهِ شَبَابَ الصَّبِيِّ فِي الشَّهْرِ ، وَيَشِبُّ فِي الشَّهْرِ شَبَابَ الصَّبِيِّ فِي سَنَةٍ ، قَالَتْ : فَقَدِمْنَا عَلَى أُمِّهِ فَقُلْنَا لَهَا : رُدِّي عَلَيْنَا ابْنِي فَإِنَّا نَخْشَى عَلَيْهِ وَبَاءَ مَكَّةَ ، قَالَتْ : وَنَحْنُ أَضَنُّ شَيْءٍ بِهِ مِمَّا رَأَيْنَا مِنْ بَرَكَتِهِ ، قَالَتْ : ارْجِعَا بِهِ ، فَمَكَثَ عِنْدَنَا شَهْرَيْنِ فَبَيْنَا هُوَ يَلْعَبُ وَأَخُوهُ خَلْفَ الْبُيُوتِ يَرْعَيَانِ بُهْمًا لَنَا ، إِذْ جَاءَ أَخُوهُ يَشْتَدُّ ، فَقَالَ : أَدْرِكَا أَخِي قَدْ جَاءَهُ رَجُلَانِ فَشَقَّا بَطْنَهُ ، فَخَرَجْنَا نَشْتَدُّ ، فَأَتَيْنَاهُ وَهُوَ قَائِمٌ مُنْتَقِعُ اللَّوْنِ ، فَاعْتَنَقَهُ أَبُوهُ وَأَنَا ، ثُمَّ قَالَ : مَا لَكَ يَا بُنَيَّ ؟ قَالَ : أَتَانِي رَجُلَانِ فَأَضْجَعَانِي ثُمَّ شَقَّا بَطْنِي فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا صَنَعَا ، فَرَجَعْنَا بِهِ . قَالَتْ : يَقُولُ أَبُوهُ : يَا حَلِيمَةُ مَا أَرَى هَذَا الْغُلَامَ إِلَّا قَدْ أُصِيبَ ، فَانْطَلِقِي فَلْنَرُدَّهُ إِلَى أَهْلِهِ . فَرَجَعْنَا بِهِ إِلَيْهَا ، فَقَالَتْ : مَا رَدَّكُمَا بِهِ ؟ فَقُلْتُ : كَفَلْنَاهُ وَأَدَّيْنَا الْحَقَّ ، ثُمَّ تَخَوَّفْنَا عَلَيْهِ الْأَحْدَاثَ . فَقَالَتْ : وَاللَّهِ مَا ذَاكَ بِكُمَا ، فَأَخْبِرَانِي خَبَرَكُمَا ، فَمَا زَالَتْ بِنَا حَتَّى أَخْبَرْنَاهَا . قَالَتْ : فَتَخَوَّفْتُمَا عَلَيْهِ ؟ كَلَّا وَاللَّهِ إِنَّ لِابْنِي هَذَا شَأْنًا ، إِنِّي حَمَلْتُ بِهِ فَلَمْ أَحْمِلْ حَمْلًا قَطُّ كَانَ أَخَفَّ مِنْهُ وَلَا أَعْظَمَ بَرَكَةً ، ثُمَّ رَأَيْتُ نُورًا كَأَنَّهُ شِهَابٌ خَرَجَ مِنِّي حِينَ وَضَعْتُهُ أَضَاءَتْ لِي أَعْنَاقُ الْإِبِلِبِبُصْرَى ، ثُمَّ وَضَعْتُهُ فَمَا وَقَعَ كَمَا يَقَعُ الصِّبْيَانُ ، وَقَعَ وَاضِعًا يَدَيْهِ بِالْأَرْضِ رَافِعًا رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ ، دَعَاهُ ، وَالْحَقَا شَأْنَكُمَا . هَذَا حَدِيثٌ جَيِّدُ الْإِسْنَادِ .
قَالَ أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ : أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ يَحْيَى ، قَالَ : أَخْبَرَنَا عِمَارَةُ بْنُ ثَوْبَانَ أَنَّ أَبَا الطُّفَيْلِ أَخْبَرَهُ ، قَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَقْبَلَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ حَتَّى دَنَتْ مِنْهُ ، فَبَسَطَ لَهَا رِدَاءَهُ فَقُلْتُ : مَنْ هَذِهِ ؟ فَقَالُوا : أُمُّهُ الَّتِي أَرْضَعَتْهُ . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ .
قَالَ مُسْلِمٌ : حَدَّثَنَا شَيْبَانُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا حَمَّادٌ ، قَالَ : حَدَّثَنَا ثَابِتٌ ، عَنْ أَنَسٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ ، فَأَخَذَهُ فَصَرَعَهُ فَشَقَّ قَلْبَهُ ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً ، فَقَالَ : هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ ، ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ ، ثُمَّ لَأَمَهُ ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِي مَكَانِهِ ، وَجَاءَ الْغِلْمَانُ يَسْعَوْنَ إِلَى أُمِّهِ ، يَعْنِي مُرْضِعَتِهِ ، فَقَالُوا : إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ ، فَاسْتَقْبَلُوهُ مُنْتَقِعَ اللَّوْنِ .
قَالَ أَنَسٌ : قَدْ كُنْتُ أَرَى أَثَرَ الْمَخِيطِ فِي صَدْرِهِ .
وَقَالَ بَقِيَّةُ ، عَنْ بَحِيرِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو السُّلَمِيِّ ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ ، فَذَكَرَ نَحْوًا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ . وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا ، وَزَادَ فِيهِ : " فَرَحَّلَتْ - يَعْنِي ظِئْرَهُ -بَعِيرًا ، فَحَمَلَتْنِي عَلَى الرَّحْلِ ، وَرَكِبَتْ خَلْفِي حَتَّى بَلَغْنَا إِلَى أُمِّي فَقَالَتْ : أَدَّيْتُ أَمَانَتِي وَذِمَّتِي ، وَحَدَّثَتْهَا بِالَّذِي لَقِيتُ ، فَلَمْ يَرُعْهَا ذَلِكَ ، وَقَالَتْ : إِنِّي رَأَيْتُ خَرَجَ مِنِّي نُورٌ أَضَاءَتْ مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ .
وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ ، عَنْ ثَابِتٍ ، عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أُتِيتُ وَأَنَا فِي أَهْلِي ، فَانْطُلِقَ بِي إِلَى زَمْزَمَ فَشُرِحَ صَدْرِي ، ثُمَّ أُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئَةٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا فَحُشِيَ بِهَا صَدْرِي قَالَ أَنَسٌ : وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِينَا أَثَرَهُ- فَعَرَجَ بِيَ الْمَلَكُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا " . وَذَكَرَ حَدِيثَ الْمِعْرَاجِ .
وَقَدْ رَوَى نَحْوَهُ شَرِيكُ بْنُ أَبِي نَمِرٍ ، عَنْ أَنَسٍ ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ . وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ ، عَنْ أَنَسٍ ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَيْضًا . وَأَمَّا قَتَادَةُ فَرَوَاهُ عَنْ أَنَسٍ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ ، نَحْوَهُ .
وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ هَذَا لِيُعْرَفَ أَنَّ جِبْرِيلَ شَرَحَ صَدْرَهُ مَرَّتَيْنِ : فِي صِغَرِهِ وَوَقْتِ الْإِسْرَاءِ بِهِ .
( وَفَاةُ وَالِدهِ )
وَتُوُفِّيَ " عَبْدُ اللَّهِ " أَبُوهُ ، وَلِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ شَهْرًا . وَقِيلَ : أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ . وَقِيلَ : وَهُوَ حَمْلٌ تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ غَرِيبًا ، وَكَانَ قَدِمَهَا لِيَمْتَارَ تَمْرًا ، وَقِيلَ : بَلْ مَرَّ بِهَا مَرِيضًا رَاجِعًا مِنَ الشَّامِ ، فَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ وَغَيْرُهُ : أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ إِلَى غَزَّةَ فِي عِيرٍ تَحْمِلُ تِجَارَاتٍ ، فَلَمَّا قَفَلُوا مَرُّوا بِالْمَدِينَةِ وَعَبْدُ اللَّهِ مَرِيضٌ ، فَقَالَ : أَتَخَلَّفُ عِنْدَ أَخْوَالِي بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ ، فَأَقَامَ عِنْدَهُمْ مَرِيضًا مُدَّةَ شَهْرٍ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ الْحَارِثَ وَهُوَ أَكْبَرُ وَلَدِهِ ، فَوَجَدَهُ قَدْ مَاتَ ، وَدُفِنَ فِي دَارِ النَّابِغَةِ أَحَدِ بَنِي النَّجَّارِ ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ حَمْلٌ ، عَلَى الصَّحِيحِ . وَعَاشَ عَبْدُ اللَّهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً ، قَالَ الْوَاقِدِيُّ : وَذَلِكَ أَثْبَتُ الْأَقَاوِيلِ فِي سِنِّهِ وَوَفَاتِهِ .
وَتَرَكَ عَبْدُ اللَّهِ مِنَ الْمِيرَاثِ أُمَّ أَيْمَنَ وَخَمْسَةَ أَجْمَالٍ وَغَنَمًا ، فَوَرِثَ ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
( وَفَاةُ أُمِّهِ وَكَفَالَةُ جَدِّهِ وَعَمِّهِ )
وَتُوُفِّيَتْ أُمُّهُ " آمِنَةُ " بِالْأَبْوَاءِ وَهِيَ رَاجِعَةٌ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ مِنْ زِيَارَةِ أَخْوَالِ أَبِيهِ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ سِتِّ سِنِينَ وَمِائَةِ يَوْمٍ . وَقِيلَ : ابْنُ أَرْبَعِ سِنِينَ . فَلَمَّا مَاتَتْ وَدُفِنَتْ ، حَمَلَتْهُ أُمُّ أَيْمَنَ مَوْلَاتُهُ إِلَى مَكَّةَ إِلَى جَدِّهِ ، فَكَانَ فِي كَفَالَتِهِ إِلَى أَنْ تُوَفِّيَ جَدُّهُ ، وَلِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِ سِنِينَ ، فَأَوْصَى بِهِ إِلَى عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ .
قَالَ عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ : أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ ، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ كِنْدِيرِ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : حَجَجْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَإِذَا رَجُلٌ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَيَرْتَجِزُ يَقُولُ :
رَبِّ رُدَّ إِلَى رَاكِبِي مُحَمَّدًا يَا رَبِّ رُدَّهُ وَاصْطَنِعْ عِنْدِي يَدًا
قُلْتُ : مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : عَبْدُ الْمُطَّلِبِ ، ذَهَبَتْ إِبِلٌ لَهُ فَأَرْسَلَ ابْنَ ابْنِهِ فِي طَلَبِهَا ، وَلَمْ يُرْسِلْهُ فِي حَاجَةٍ قَطُّ إِلَّا جَاءَ بِهَا ، وَقَدِ احْتَبَسَ عَلَيْهِ ، فَمَا بَرِحْتُ حَتَّى جَاءَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَاءَ بِالْإِبِلِ . فَقَالَ : يَا بُنَيَّ لَقَدْ حَزِنْتُ عَلَيْكَ حُزْنًا ، لَا تُفَارِقْنِي أَبَدًا .
وَقَالَ خَارِجَةُ بْنُ مُصْعَبٍ ، عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، أَنْ حَيْدَةَ بْنَ مُعَاوِيَةَ اعْتَمَرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَذَكَرَ نَحْوًا مِنْ حَدِيثِ كِنْدِيرٍ عَنْ أَبِيهِ .
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّافِعِيُّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبَانَ بْنِ الْوَلِيدِ ، عَنْ أَبَانَ بْنِ تَغْلِبَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي جَلْهَمَةُ بْنُ عُرْفُطَةَ ، قَالَ : إِنِّي لَبِالْقَاعِ مِنْ نَمِرَةَ ، إِذْ أَقْبَلَتْ عِيرٌ مِنْ أَعْلَى نَجْدٍ ، فَلَمَّا حَاذَتِ الْكَعْبَةَ إِذَا غُلَامٌ قَدْ رَمَى بِنَفْسِهِ عَنْ عَجُزِ بِعِيرٍ ، فَجَاءَ حَتَّى تَعَلَّقَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ ، ثُمَّ نَادَى يَا رَبَّ الْبِنْيَةِ أَجِرْنِي ، وَإِذَا شَيْخٌ وَسِيمٌ قَسِيمٌ عَلَيْهِ بَهَاءُ الْمُلْكِ وَوَقَارُ الْحُكَمَاءِ ، فَقَالَ : مَا شَأْنُكَ يَا غُلَامُ ، فَأَنَا مِنْ آلِ اللَّهِ وَأُجِيرُ مَنِ اسْتَجَارَ بِهِ ؟ قَالَ : إِنَّ أَبِي مَاتَ وَأَنَا صَغِيرٌ ، وَإِنَّ هَذَا اسْتَعْبَدَنِي ، وَقَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ أَنَّ لِلَّهِ بَيْتًا يَمْنَعُ مِنَ الظُّلْمِ ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ اسْتَجَرْتُ بِهِ . فَقَالَ لَهُ الْقُرَشِيُّ : قَدْ أَجَرْتُكَ يَا غُلَامُ ، قَالَ : وَحَبَسَ اللَّهُ يَدَ الْجُنْدَعِيِّ إِلَى عُنُقِهِ . قَالَ جَلْهَمَةُ : فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَمْرَو بْنَ خَارِجَةَ وَكَانَ قُعْدُدَ الْحَيِّ ، فَقَالَ : إِنَّ لِهَذَا الشَّيْخِ ابْنًا يَعْنِي أَبَا طَالِبٍ . قَالَ : فَهَوَيْتُ رَحْلِي نَحْوَ تِهَامَةَ ، أَكْسَعُ بِهَا الْجُدُودَ ، وَأَعْلُو بِهَا الْكَذَّانَ ، حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَإِذَا قُرَيْشٌ عِزِينٌ ، قَدِ ارْتَفَعَتْ لَهُمْ ضَوْضَاءُ يَسْتَسْقُونَ ، فَقَائِلٌ مِنْهُمْ يَقُولُ : اعْتَمِدُوا اللَّاتَ وَالْعُزَّى ، وَقَائِلٌ يَقُولُ : اعْتَمِدُوا لِمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى . وَقَالَ شَيْخٌ وَسِيمٌ قَسِيمٌ حَسَنُ الْوَجْهِ جَيِّدُ الرَّأْيِ : أَنَّى تُؤْفَكُونَ وَفِيكُمْ بَاقِيَةُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَسُلَالَةُ إِسْمَاعِيلَ ؟ قَالُوا لَهُ : كَأَنَّكَ عَنَيْتَ أَبَا طَالِبٍ . قَالَ : إِيهًا . فَقَامُوا بِأَجْمَعِهِمْ ، وَقُمْتُ مَعَهُمْ فَدَقَقْنَا عَلَيْهِ بَابَهُ ، فَخَرَجَ إِلَيْنَا رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ مُصْفَرٌّ ، عَلَيْهِ إِزَارٌ قَدِ اتَّشَحَ بِهِ ، فَثَارُوا إِلَيْهِ فَقَالُوا : يَا أَبَا طَالِبٍ أَقَحَطَ الْوَادِي ، وَأَجْدَبَ الْعِبَادُ فَهَلُمَّ فَاسْتَسْقِ ، فَقَالَ : رُوَيْدَكُمْ زَوَالَ الشَّمْسِ وَهُبُوبَ الرِّيحِ ، فَلَمَّا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَوْ كَادَتْ ، خَرَجَ أَبُو طَالِبٍ مَعَهُ غُلَامٌ كَأَنَّهُ شَمْسُ دَجْنٍ تَجَلَّتْ عَنْهُ سَحَابَةٌ قَتْمَاءُ ، وَحَوْلَهُ أُغَيْلِمَةٌ ، فَأَخَذَهُ أَبُو طَالِبٍ فَأَلْصَقَ ظَهْرَهُ بِالْكَعْبَةِ ، وَلَاذَ بِأُصْبُعِهِ الْغُلَامُ ، وَبَصْبَصَتِ الْأُغَيْلِمَةُ حَوْلَهُ وَمَا فِي السَّمَاءِ قَزَعَةٌ ، فَأَقْبَلَ السَّحَابُ مِنْ هَهُنَا وَهَهُنَا وَأَغْدَقَ وَاغْدَوْدَقَ وَانْفَجَرَ لَهُ الْوَادِي ، وَأَخْصَبَ النَّادِي وَالْبَادِي ، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ أَبُو طَالِبٍ :
وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ رَبِيعُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ
يُطِيفُ بِهِ الْهُلَّاكُ مِنْ آلِ هَاشِمِ فَهُمْ عِنْدَهُ فِي نِعْمَةٍ وَفَضَائِلِ
وَمِيزَانِ عَدْلٍ لَا يَخِيسُ شُعَيْرَةً وَوَزَّانُ صِدْقٍ وَزْنُهُ غَيْرُ عَائِلِ
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَزْرَقِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ ، قَالَ : كُنَّا مَعَ عَطَاءٍ ، فَقَالَ : سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ : كَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ أَطْوَلَ النَّاسِ قَامَةً ، وَأَحْسَنَهُمْ وَجْهًا ، مَا رَآهُ أَحَدٌ قَطُّ إِلَّا أَحَبَّهُ ، وَكَانَ لَهُ مَفْرَشٌ فِي الْحِجْرِ لَا يَجْلِسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ ، وَلَا يَجْلِسُ عَلَيْهِ مَعَهُ أَحَدٌ ، وَكَانَ النَّدِيُّ مِنْ قُرَيْشٍ حَرْبُ بْنُ أُمَيَّةَ فَمَنْ دُونَهُ يَجْلِسُونَ حَوْلَهُ دُونَ الْمَفْرَشِ ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ غُلَامٌ لَمْ يَبْلُغْ فَجَلَسَ عَلَى الْمَفْرَشِ ، فَجَبَذَهُ رَجُلٌ فَبَكَى ، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَذَلِكَ بَعْدَ مَا كُفَّ بَصَرُهُ : مَا لِابْنِي يَبْكِي ؟ قَالُوا لَهُ : إِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى الْمَفْرَشِ فَمَنَعُوهُ ، فَقَالَ : دَعُوا ابْنِي يَجْلِسُ عَلَيْهِ ، فَإِنَّهُ يُحِسُّ مِنْ نَفْسِهِ شَرَفًا ، وَأَرْجُو أَنْ يَبْلُغَ مِنَ الشَّرَفِ مَا لَمْ يَبْلُغْ عَرَبِيٌّ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ . قَالَ : وَمَاتَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ ، وَكَانَ خَلْفَ جِنَازَةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَبْكِي حَتَّى دُفِنَ بِالْحَجُونِ .
وَقَدْ رَعَى الْغَنَمَ
فَرَوَى عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ رَعَى الْغَنَمَ . قَالُوا : وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، كُنْتُ أَرْعَاهَا بِالْقَرَارِيطِ لِأَهْلِ مَكَّةَ " . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ ، عَنْ جَابِرٍ ، قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ نَجْتَنِي الْكَبَاثَ ، فَقَالَ : عَلَيْكُمْ بِالْأَسْوَدِ مِنْهُ فَإِنَّهُ أَطْيَبُ . قُلْنَا : وَكُنْتَ تَرْعَى الْغَنَمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ وَهَلْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا قَدْ رَعَاهَا " . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
____________
سير أعلام النبلاء
الإمام محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي رحمه الله
تعليقات
إرسال تعليق