ما الأصول الثلاثة التي يجب على الإنسان معرفتها ؟ ... وأنواع العبادة التي أمر الله بها
ما الأصول الثلاثة (1) التي يجب على الإنسان معرفتها ؟
فقل : معرفة العبد ربه ودينه ونبيه محمدا صلى الله عليه وسلم.
فإذا قيل لك (2): من ربك؟
فقل (3) : ربي الله الذي رباني وربى جميع العالمين بنعمته ، وهو معبودي ، ليس لي معبود سواه .
والدليل (4) قوله تعالى : { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } .
وكل من سوى الله (5) عالم ، وأنا واحد (6) من ذلك العالم .
فإذا قيل لك (7) : بم عرفت ربك ؟
فقل(8) : بآياته ومخلوقاته ، ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر ، ومن مخلوقاته السموات السبع والأرضون السبع ومن فيهن وما بينهما.
والدليل قوله تعالى : { وَمِنْ آَيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُواْ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ }(9).
وقوله تعالى (10): { إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }.
والرب : هو المعبود(11) .
والدليل قوله تعالى (12) : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ـ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءْ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ فَلَا تَجْعَلُواْ لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }.
قال ابن كثير (13) -رحمه الله تعالى - : الخالق لهذه الأشياء هو المستحق للعبادة .
وأنواع العبادة (14) التي أمر الله بها ،
مثل الإسلام والإيمان والإحسان ومنه الدعاء ، و الخوف (15)، والرجاء والتوكل ، والرغبة والرهبة والخشوع والخشية والإنابة والإستعانة والإستغاثة والإستعاذة والذبح والنذر وغير ذلك من العبادة التي أمر الله بها ، كلها لله .
والدليل قوله تعالى :
{ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُواْ مَعَ اللهِ أَحَدًا } .
فمن صرف منها شيئا لغير الله فهو مشرك كافر ،
والدليل قوله تعالى (16) :
{ وَمَن يَّدْعُ مَعَ اللهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } .
وفي (17) الحديث : " الدعاء مخ العبادة " ،
الدليل قوله تعالى : { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } .
ودليل الخوف (18) قوله تعالى : { فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ }.
ودليل الرجاء (19) قوله تعالى : فَمَنْ كَانَ يَرْجُوْ لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } .
ودليل التوكل (20) قوله تعالى : {وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُواْ إِنْ كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ } ، { وَمَن يَّتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } .
ودليل الرغبة والرهبة والخشوع (21) قوله تعالى : { إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُواْ لَنَا خَاشِعِينَ } .
ودليل الخشية قوله تعالى : { فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي } الآية .
ودليل الإنابة (22) قوله تعالى : {وَأَنِيبُواْ إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُواْ لَهُ} الآية.
ودليل الإستعانة (23) قوله تعالى : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } وفي الحديث : " إذا استعنت فاستعن بالله " .
ودليل الإستعاذة (24) قوله تعالى : { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ } وقوله تعالى : { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ }.
ودليل الإستغاثة (25) قوله تعالى : { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ } الآية .
ودليل الذبح (26) قوله تعالى : { قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ـ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } ومن السنة : " لعن الله من ذبح لغير الله " .
ودليل النذر (27) قوله تعالى : {يُوْفُوْنَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا } .
__________________________
(1) هذه الأصول الثلاثة تجمع الدين كله من ربك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيك ؟ وهي التي يسأل عنها العبد في قبره.
(2) فإذا سأل سائل فقال : من ربك ؟
(3) فقل : ربي الله الذي رباني وربى جميع العالمين بنعمته . وهو معبودي ، ليس لي معبود سواه . هذا رب الجميع ، كما قال : { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } . والعالمون : جميع المخلوقات كلهم عالمون ـ الجن والإنس والبهائم والجبال والأشجار ـ كلها عالم . قال تعالى : {إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ، أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} ، فهو رب الجميع له الخلق وله الأمر وهو المستحق بأن يعبد ؛ ولهذا قال سبحانه : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ } الآية .. وهو معبودي ليس لي معبود سواه .
(4) والدليل قوله تعالى : {الْحَمْدُلِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } : يعني الثناء كله لله ، والعبادة من الثناء ومن الحمد .
(5) وكل ما سوى الله عالم ، من الجن والإنس والحيوانات والجبال كلها عوالم .
(6) وأنا واحد من ذلك العالم الذي خلقه الله وأوجده وأجب عليه طاعته . فعلى جميع العالمين من المكلفين من الجن والإنس أن يطيعوا الله ورسوله ويوحدوه جل وعلا . وهكذا الملائكة عليهم أن يعبدوا الله وحده، ولهذا قال تعالى عن الملائكة : { لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } ، وقال تعالى : { لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ـ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِفُونَ } ..
(7) إذا قيل لك أيها المسلم بم عرفت ربك الذي أنت تعبده ؟
(8) فقل : عرفته بآياته ومخلوقاته ؛ أي بآياته الكثيرة ، وبمخلوقاته العظيمة ، التي تدل على أنه الرب العظيم، وأنه الخلاق العليم ، وأنه المستحق لأن يعبد ، وأنه الذي يخلق ما يشاء ، ويعطي ويمنع ، وينفع ويضر، بيده كل شيء سبحانه وتعالى ، فهو المستحق بأن نعبده بطاعته ودعائه واستغاثته وسائر أعمالنا وعباداتنا ؛ لأن الله خلقنا لهذا . قال تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونَ } ، وهذه العبادة هي توحيده ، وطاعته ، واتباع شريعته ، وتعظيم أمره ونهيه قولا وعملا .
(9) { وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ } كل هذه تدل على أنه رب العالمين وأنه الخلاق العليم ، يأتي الليل بظلامه ، ويذهب النهار بضيائه ، ثم يجيء النهار ، ويذهب الليل ، وهذه الشمس تلع على الناس في الدنيا كلها ، وينتفعون بها ، وهذا القمر كذلك وغير هذه من الآيات العظيمة ، كالأرض وما فيها من جبال وأنهار وبحار وأشجار وحيوانات . وهذه السموات التي يراها الناس ، كلها من آياته الدالة على عظمته , وأنه رب العالمين وأنه الخلاق العليم وأنه المستحق للعبادة ولهذا قال : { وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُواْ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } يعني لا تعبدوا هذه المخلوقات ، بل اعبدوا الذي خلقها وأوجدها سبحانه وتعالى ، فهو المستحق بأن يذل له العبد ويخضع له ، ويطيع أوامره وينتهي عن نواهيه سبحانه وتعالى ، تعظيما وتقديسا له ؛ وخوفا منه ، ورغبة فيما عنده .
(10) وقال سبحانه : { إنَّ رَبَّكُمُ اللهُ } ، يعني إن ربكم أيها العباد من الجن والإنس هو الله . وربكم يعني خالقكم ، وهو معبودكم الحق وحده لا شريك له : { الَّذِي خَلَقَ السًّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } ؛ أي ثم ارتفع على العرش ، وعلا فوقه سبحانه وتعالى ، فعلمه في كل مكان وهو فوق العرش ، فوق جميع المخلوقات ، والعرش سقف المخلوقات وهو أعلى المخلوقات ، والله فوقه جل وعلا ، استوى عليه استواء يليق بجلاله لا يشابه خلقه في شيء من صفاته . قال تعالى : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } ، وقال تعالى : { وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } . وقوله : يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا } ، أي يغطي هذا بهذا وهذا بهذا ، { يَطْلُبُهُ حَثِيثًا } ؛ أي سريعا ، وكل واحد يطلب الآخر ، إذا انتهى هذا ؛ دخل هذا ، وهكذا .. حتى تقوم الساعة . { وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ } : أي وخلق الشمس والقمر والنجوم خلقها مسخرات بأمره ، مطيعات مذللات لأمره سبحانه . ثم قال سبحانه : { أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ } ، فالخلق له والأمر له هو الخلاق الذي لا يخالف أمره الكوني الذي هو نافذ في الناس كما قال تعالى : { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } . وقوله : { وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ } ، فأمر الله الكوني القدري لا راد له ، ولهذا قال : { أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } . فــ { تَبَارَكَ } : يعني بلغ في البركة النهاية ، وهي صيغة لا تصلح إلا لله ، فلا يقال للعبد تباركت يا فلان ، هذا لا يصلح ، وإنما هو خاص بالله كما قال تعالى : { تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ } ، وإنما يقال للمخلوق بارك الله في فلان ، أو فلان مبارك ، أما تباركت ؛ فإنها لا بصلح إلا لله وحده .
(11) والرب هو المعبود ، و {الْعَالَمِينَ } : المخلوقات كلها من الجن والإنس والسماء والأرض ، وهو ربها سبحانه وتعالى ، وهو رب الجميع ، وخالق الجميع جل وعلا .
(12) قال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } : خلق الجميع ـ الذين قبلنا ، والذين بعدنا من آدم وما قبله وما بعده ـ ، ثم قال سبحانه : { الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا } الآية ؛ فهو خلق الجميع ليتقوه ويعبدوه كما قال تعالى : { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } . ثم بين سبحانه بعض أفعاله فقال : { الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً } ، فجعل الأرض فراشا للناس ، ومهادا لهم، عليها يسكنون ، وعليها يبنون ، وعليها ينامون ، وعليها يمشون ، وأرساها بالجبال ، ثم قال : { وّالسَّمَاءَ بِنَاءً } فجعلها بناء وسقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون ، وزينها بالنجوم والشمس والقمر { وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً } ؛ أي من السحاب { فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ } أنواع الأرزاق في كل مكان ويحيي الله به الأرض بعد موتها ثم قال تعالى : { فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } : أي أشباها ونظراء تعبدونها معه ، لا صنما ولا جنا ولا ملكا ولا غير ذلك . فالعبادة حق الله وحده ، ليس له نديد ولا نظير ولا مثيل ، بل هو الإله الحق . وكان المشركون يتخذون له الأنداد والنظائر والأمثال من الأصنام والجن والملائكة ويعبدونهم من دون الله ، ويستغيثون بهم فأنكر الله عليهم ذلك ، وبين أن هذه المخلوقات ليس لها حق في العبادة ، ولا قدرة لها على شيء إلا بإذنه سبحانه وتقديره .
(13) قال الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله ـ في تفسيره : الخالق لهذه الأشياء من سماء وأرض وثمار وأشجار ومطر وغير ذلك : هو المستحق للعبادة سبحانه وتعالى ، وأن يطاع ؛ لأنه رب الجميع ، وخالق الجميع ، كما قال تعالى : {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَّاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ } .
(14) العبادة أنواع : فمنها الإسلام بأركانه ، فلك ما أمر الله به من أعمال الإسلام عبادة : من صلاة وصوم وغير ذلك ، وهكذا الإيمان بأعماله الباطنة ، كالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والإيمان بالقدر خيره وشره ، وكذلك الخوف والمحبة والرجاء إلى غير ذلك . فكل ما يتعلق بالقلوب داخل في العبادة بل هو أعلى أنواع العبادة وأعظمها . فالواجب على كل مكلف إخلاص العبادة لله وحده ، فلا يدعو مع الله الأنبياء ولا الأولياء ولا الأصنام ولا الأشجار ولا الأحجام ولا النجوم ؛ لأن العبادة حق لله وحده ، قال تعالى : { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُو مَعَ اللهِ أَحَدًا } . وقال تعالى : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } ، وقال تعالى : { وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرَّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ } . وقال سبحانه وتعالى : { وَمَنْ يَّدْعُ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ } ، وقال عز وجل : { ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ ـ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُواْ دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُواْ مَا اسْتَجَابُواْ لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِير } ، فسمى سبحانه دعاءهم شركا ، فالواجب على جميع المكلفين إخلاص العبادة لله وحده ، رجاء وخوفا واستعانة واستغاثة وذبحا ونذرا وخشية لله وصلاة وصوما إلى غير ذلك ، كله لله وحده فمن تقرب لغير الله من ولي أو نبي أو صنم أو شجر أو حجر بالدعاء أو بالذبح أو بالنذر أو بالصلاة أو بالصوم ونحو ذلك ، فهو مشرك كافر أشرك بالله وعبد معه سواه ، كفعل المشركين الأولين من عباد القبو وعباد الأشجار والأحجار والأصنام ، ولهذا قال عز وجل : { وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } ، وقال تعالى : { إِنَّهُ مَن يُّشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ } . وقال سبحانه وتعالى : { وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ـ بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ } .
(15) فكل هذه العبادات يجب إخلاصها لله ، ومن صرف منها شيئا لغير الله من صنم أو شجر أو حجر أو قبر فهو مشرك بالله .
(16) لقوله تعالى : { وَمَن يَّدْعُ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ } ، ولغيرها من الآيات السابقات ، وهذا دليل على ما تقدم .
(17) وفي الحديث : " الدعاء مخ العبادة " ، وفي لفظ آخر : " الدعاء هو العبادة " ، وقال سبحانه : {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } ، فسمى الدعاء عبادة في قوله : { أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ } يعني عن دعائي . فالدعاء هو أن يضرع إلى الله يدعوه ، ويسأله النجاة ، ويسأله الرزق ، كل هذا عبادة . فإذا صرفها للصنم أو للشجر أو للحجر أو لميت ، صار مشركا بالله عز وجل فيجب الحذر من الشرك كله ، دقيقه وجليله ، وأن تكون العبادة لله وحده . لكن دعاء الحي الحاضر القادر ، والاستعانة به في الشيء المقدور عليه ، لا بأس به ولا يعتبر داخلا في الشرك ؛ فلو قلت لأخيك الحاضر : يا عبد الله ! أعنّي على قطع هذه الشجرة أو على حفر هذه البئر ؛ فلا بأس بذلك كما قال سبحانه في قصة موسى : {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ } الآية . استغاثة الاسرائيلي على القبطي ؛ لأن موسى قادر على إغاثته ، يتكلم ويسمع . أما إذا اعتمد على المخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله حاضرا أو غائبا أو ميتا ، واعتقد أنه ينفع من دعاه أو يضر لا بالأسباب الحسية من الشرك بالله . كما قال تعالى عنهم أنهم قالوا : {هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ } ، فيظنون أنهم يستطيعون بعبادتهم إياهم أن يشفعوا لهم عند الله في حصول مطالبهم أو أنهم يقربونهم إلى الله زلفى . كما قال الله سبحانه عنهم في الآية الآخرى : { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى } . وهذا من جهلهم وضلالهم بالشافع والمشفوع إليه . والله سبحانه له الشفاعة جميعا ، وهو الذي يتصرف في عباده كيف يشاء ، فلا يأذن بالشفاعة إلا فيمن يرضى الله عمله ، ولا يشفع أحد عنده إلا بعد إذنه ، كما قال تعالى : { مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ } ، وقال تعالى : { وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى } ، فالشفاعة لا تكون إلا بإذنه للشافع ، ورضاه عن المشفوع فيه . وهو سبحانه لا يرضى بالشفاعة إلا لأهل التوحيد ، كما صحَّ عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال ـ لما سأله أبو هريرة قائلا : من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله ؟ ـ قال : " من قال : لا إله إلا الله خالصًا مِن قلبه " [ أخرجه البخاري في صحيحه ] . ولا تكون الشفاعة إلا لمن ارتضى قوله وعمله من أهل التوحيد والإيمان .
(18) ومن ذلك الخوف وهو أقسام ثلاثة :
الأول : خوف السر وهذا خاص بالله ؛ لأنه القادر على كل شيء وهو الذي يخاف ويخشى . كما قال تعالى : { فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ } ، وقال تعالى : { وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللهَ } . وقال : { فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَونِ } . فالواجب خشية الله وخوفه ؛ لأنه مصرف القلوب ومقلبها والقادر على كل شيء ، وهو الذي ينفع ويضر ، ويعطي ويمنع ، فالواجب تخصيصه بالخوف وألا يخاف إلا الله في كل الأمور . ولكن خوف السر يختص به سبحانه وهو كون الإنسان يخاف من أجل قدرة خاصة سرية ليست حسب الحس . ولذلك يعتقد عباد القبور أن بعض الناس له القدرة على التصرف في الكون مع الله جل وعلا ، ويعتقدون ذلك أيضا في الأصنام والجن وغيرها ، وهذا هو الشرك الأكبر ، ويعتقد فيهم أيضا أن لهم القدرة على العطاء والمنع ، وزيغ القلوب ، وموت النفوس دون أسباب حسية .
الأول : خوف السر وهذا خاص بالله ؛ لأنه القادر على كل شيء وهو الذي يخاف ويخشى . كما قال تعالى : { فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ } ، وقال تعالى : { وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللهَ } . وقال : { فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَونِ } . فالواجب خشية الله وخوفه ؛ لأنه مصرف القلوب ومقلبها والقادر على كل شيء ، وهو الذي ينفع ويضر ، ويعطي ويمنع ، فالواجب تخصيصه بالخوف وألا يخاف إلا الله في كل الأمور . ولكن خوف السر يختص به سبحانه وهو كون الإنسان يخاف من أجل قدرة خاصة سرية ليست حسب الحس . ولذلك يعتقد عباد القبور أن بعض الناس له القدرة على التصرف في الكون مع الله جل وعلا ، ويعتقدون ذلك أيضا في الأصنام والجن وغيرها ، وهذا هو الشرك الأكبر ، ويعتقد فيهم أيضا أن لهم القدرة على العطاء والمنع ، وزيغ القلوب ، وموت النفوس دون أسباب حسية .
الثاني : خوف الأسباب الحسية كما قال تعالى في قصة أُحُد لما قيل للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إن المشركين قد جمعوا لكم وسيرجعون إليكم فأنزل الله في ذلك : { إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخّوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ } ، فالشيطان يخوف الناس من أوليائه ، ويعظمهم في صدور الناس حتى يخافوهم ، والله يقول : { فَلَا تَخَافُوهُمْ } ، بل اعتمدوا علي ، وأعدوا العدة ، ولا تبالوا بهم ن كما قال تعالى : { وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّنْ قُوَّةٍ } ، وهذا الخوف الحسي لا بأس به لكن الخوف القلبي خوف السر هذا هو المنهي عنه أما الخوف الحسي ، مثل أن يخاف اللص أو السارق أو العدو ، فيعد العدة من السلاح اللازم كل هذا لا بد منه ولهذا قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ } ، وقال سبحانه في قصة موسى لما خرج من مصر خائفا من فرعون وقومه : { فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ } ؛ فإن هذا الخوف خوف حسي لا بأس به لكن لا يجوز خوف العدو خوفا يمنع من جهاده ، ونصر الحق ، وإنما يحمله هذا الخوف على الإعداد للعدو وأخذ الحذر .
الثالث : الخوف الطبيعي الذي جبل عليه الإنسان وهذا لا حرج فيه مثل خوف الإنسان الحية والعقرب والسبع ، فيتباعد عنها ويقتلها ويتباعد عن مظنة السباع حتى لا يتأذى بها . هذا أمر لا بد منه . والله جبل الناس على الخوف مما يؤذي حتى يتحرز منه ؛ يخاف البرد فيلبس الثياب الغليظة ، ويخاف من الجوع فيأكل ، ويخاف العطش فيشرب . هذه أمور طبيعية لا بأس بها .
(19) وهكذا الرجاء عبادة لله فيرجو الله ويحسن به الظن كما قال تعالى : { فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } . فالرغبة إليه ، ورجاء ما عنده ؛ عبادة له سبحانه وتعالى ، قال تعالى : { إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُواْ لَنَا خَاشِعِينَ } . فالرغب : الرجاء . الرهب : الخوف . وكلاهما : عبادة . وعلى العبد أن يحسن ظنه بربه ، ويعمل بالأسباب الشرعية . وإن الظن الحسن مع الأخذ بالأسباب يعود على العبد بالخير وبالرحمة وبدخول الجنة وبمغفرة الذنوب .
(20) وهكذا التوكل عبادة ، وهو التفويض إلى الله ، والاعتماد عليه في كل الأمور مع الأخذ بالأسباب . فتعتمد على الله في السلامة من الشر ، والعافية من الفتن ، وحصول الرزق ، وفي دخول الجنة ، والنجاة من النار ، مع الأخذ بالأسباب المشروعة ، قال تعالى : { وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُواْ إِنْ كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ } ، وقال تعالى : { وَمَن يَّتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } : يعني كافيه .
(21) وهكذا الرغبة والرهبة والخشية من الله كل هذه عبادات . قال تعالى عن الأنبياء والصالحين : { إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُواْ لَنَا خَاشِعِينَ } يعني : خائفين يخشون الله ، ويخشعون لعظمته : أي يذلون .
(22) وهكذا الإنابة عبادة : قال تعالى : { وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له } . والإنابة معناها : الرجوع إلى الله ، والتوبة إليه ، والاستقامة على طاعته ؛ فهذه عبادة لله ، يجب على الناس أن ينيبوا إلى الله ، ويرجعوا إليه ، ويتوبوا إليه ، ويستقيموا على طاعته .
(23) وهكذا الاستعانة عبادة كما قال تعالى : { إياك نعبد وإياك نستعين } ، وفي الحديث : " إذا استعنتَ فاستعنْ بالله " . فيستعين العبد بالله ؛ فتقول : اللهم أعني على ذكرك وشكرك ، اللهم أعني على طاعتك، اللهم أعني على كل خير ، إلى غير هذا ، تستعين بالله في كل المهمات .
(24) وهكذا الاستعاذة عبادة : أن تستعيذ بالله من الشرور ، وتلجأ إليه ، كما قال تعالى : { قل أعوذ برب الفلق } وقوله : { قل أعوذ برب الناس } . فالاستعاذة بالله من الشيطان ، ومن كل مؤذ ، ومن كل عدو، أمر مأمور به ، كما قال تعالى : { وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله } .
(25) وهكذا الاستغاثة عبادة أن تستغيث بالله في الشدائد من عدو ، أو تطلبه إنزال الغيث المبارك، أو يكشف الضر ، كما قال تعالى : { إذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ } .
(26) وهكذا الذبح عبادة : قال تعالى : { قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي } أي ذبحي ، { وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } .
(27) وهكذا النذر عبادة ، قال تعالى : { يُوْفُوْنَ بِالنَّذْرِ } . وقال تعالى : { وَمَا أَنْفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ } الآية . وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " مَنْ نَذَرَ أنْ يطيعَ اللهَ فـلْيـُطِعْهُ ، ومن نذَرَ أنْ يعصِهِ فلا يعْصِه" . فالنذر عبادة وطاعة لله . إذا فعله الإنسان لزمه الوفاء ، والنذر مكروه ؛ لأن في التزاما ، وفيه مشقة . ولهذا نهى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن النذر وقال : " إن النذر لا يأتي بخير " ، ولكن إذا نذر طاعة لزمه الوفاء ؛ لقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " مَنْ نذر أن يطيعَ الله ؛ فليطعه " . فإذا نذر عبادة من صلاة أو صوم أو غيرهما لزمه الوفاء لما تقدم.
________________
شرح ثلاثة الأصول
لسماحة الشيخ العلاَّمة :
عبد العزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله تعالي
لسماحة الشيخ العلاَّمة :
عبد العزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله تعالي
تعليقات
إرسال تعليق