فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا وَالْعَقِيقَةِ


[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا وَالْعَقِيقَةِ]
فَصْلٌ
فِي هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا وَالْعَقِيقَةِ وَهِيَ مُخْتَصَّةٌ بِالْأَزْوَاجِ الثَّمَانِيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي " سُورَةِ الأنعام "، وهذا مأخوذ من القرآن من أربع آيات: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ} [المائدة: 1] (1) الثانية: {لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج: 34] (2) الثالثة: {وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا} [الأنعام: 142] (3) الآية، والتي تليها الرابعة قوله: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [الْمَائِدَةِ: 95] (4) . فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الَّذِي يَبْلُغُ الْكَعْبَةَ مِنَ الْهَدْيِ هُوَ هَذِهِ الْأَزْوَاجُ الثَّمَانِيَةُ، وَهَذَا اسْتِنْبَاطُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه. 
والذبائح التي هي عبادة ثلاث: الهدي، والأضحية، والعقيقة، فأهدى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَنَمَ، وَأَهْدَى الْإِبِلَ، وأهدى عن نسائه البقر والهدي في مقامه، وفي حجته، وفي عمرته، وكانت سنته تقليد الغنم دون إشعارها، وإذا بعث بهديه وهو مقيم، لم يحرم منه شيئا كان منه حلالا، وإذا أَهْدَى الْإِبِلَ، قَلَّدَهَا وَأَشْعَرَهَا، فَيَشُقُّ صَفْحَةَ سَنَامِهَا الأيمن يسيرا حتى يسيل الدم، وإذا بعث بهدي أَمَرَ رَسُولَهُ إِذَا أَشْرَفَ عَلَى عَطَبٍ شَيْءٌ منه أن ينحر، ثُمَّ يَصْبُغَ نَعْلَهُ فِي دَمِهِ، ثُمَّ يَجْعَلَهُ على صفحته، ولا يأكل منه ولا أحد من رُفْقَتِهِ، ثُمَّ يَقْسِمُ لَحْمَهُ، وَمَنَعَهُ مِنْ هَذَا الأكل سدا للذريعة؛ لئلا يقصر فِي حِفْظِهِ. وَشَرَّكَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ فِي الْهَدْيِ، البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة، وَأَبَاحَ لِسَائِقِ الْهَدْيِ رُكُوبَهُ بِالْمَعْرُوفِ إِذَا احْتَاجَ حتى يجد غيره، وقال علي: يَشْرَبُ مِنْ لَبَنِهَا مَا فَضَلَ عَنْ وَلَدِهَا. 
وكان هديه ينحر الإبل قياما معقولة يدها اليسرى، وَكَانَ يُسَمِّي اللَّهَ عِنْدَ نَحْرِهِ وَيُكَبِّرُ، وَكَانَ يَذْبَحُ نُسُكَهُ بِيَدِهِ، وَرُبَّمَا وَكَّلَ فِي بَعْضِهِ، وكان إذا ذبح الغنم وضع قدميه على صفاحها، ثم سمى وكبر ونحر، وأباح لِأُمَّتِهِ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْ هَدَايَاهُمْ وَضَحَايَاهُمْ، وَيَتَزَوَّدُوا منها، ونهاهم أَنْ يَدَّخِرُوا مِنْهَا بَعْدَ ثَلَاثٍ لِدَافَّةٍ دَفَّتْ عليهم ذلك العام. وربما قسم لحم الهدي، وربما قال: «من شاء اقتطع» ، واستدل به عَلَى جَوَازِ النُّهْبَةِ فِي النِّثَارِ فِي الْعُرْسِ ونحوه، وفرق بينهما بما لا يتبين، 
وكان هديه ذَبْحُ هَدْيِ الْعُمْرَةِ عِنْدَ الْمَرْوَةِ، وَهَدْيِ الْقِرَانِ بمنى، ولم ينحر هديه قَطُّ إِلَّا بَعْدَ أَنْ حَلَّ، وَلَمْ يَنْحَرْهُ أَيْضًا إِلَّا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَبَعْدَ الرَّمْيِ، فهذه أَرْبَعَةُ أُمُورٍ مُرَتَّبَةٍ يَوْمَ النَّحْرِ، أَوَّلُهَا: الرَّمْيُ، ثم النحر، ثم الحلق، ثم الطواف، وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي النَّحْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ البتة.


[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الأضاحي]

فَصْلٌ وَأَمَّا هَدْيُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الأضاحي، فإنه لَمْ يَكُنْ يَدَعُ الْأُضْحِيَّةَ، وَكَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ ينحرهما بعد الصلاة، وأخبر أن من ذبح قبلها، فَلَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ، وَإِنَّمَا هُوَ لحم قدمه لأهله هذا الذي ندين لله به، لا الاعتبار بوقت الصلاة، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَذْبَحُوا الْجَذَعَ مِنَ الضَّأْنِ، وَالثَّنِيَّ مما سواه، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «كُلُّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذبح» ، ولكنه منقطع، وهو مذهب عطاء والحسن والشافعي، واختاره ابن المنذر. 
وكان من هديه اخْتِيَارُ الْأُضْحِيَّةِ، وَاسْتِحْسَانُهَا، وَسَلَامَتُهَا مِنَ الْعُيُوبِ، وَنَهَى عن أن يضحى بعضباء الأذن والقرن، أي مقطوع الأذن ومكسور الْقَرْنِ -النِّصْفُ فَمَا زَادَ - ذَكَرَهُ أبو داود. وَأَمَرَ أَنْ تُسْتَشْرَفَ الْعَيْنُ وَالْأُذُنُ، أَيْ يُنْظَرُ إلى سلامتها. ولا يُضَحَّى بِعَوْرَاءَ، وَلَا مُقَابَلَةٍ، وَلَا مُدَابَرَةٍ، وَلَا شرقاء، ولا خرقاء. 
والمقابلة: الَّتِي قُطِعَ مُقَدَّمُ أُذُنِهَا، 
وَالْمُدَابَرَةُ: الَّتِي قُطِعَ مُؤَخَّرُ أُذُنِهَا، 
وَالشَّرْقَاءُ: الَّتِي شُقَّتْ أُذُنُهَا، 
وَالْخَرْقَاءُ: التي خرقت أذنها، ذكره أبو داود.
وكان من هديه أن يضحي بالمصلى، وذكر أبو داود عن جابر أَنَّهُ ذَبَحَ يَوْمَ النَّحْرِ كَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ، فَلَمَّا وَجَّهَهُمَا قَالَ: «وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فطر السماوات وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ، وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ، بِسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ» ، ثُمَّ ذَبَحَ، 
وَأَمَرَ الناس إذا ذبحوا أن يحسنوا الذبحة، وَإِذَا قَتَلُوا أَنْ يُحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ» . ومن هديه أَنَّ الشَّاةَ تُجْزِئُ عَنِ الرَّجُلِ وَعَنْ أَهْلِ بيته.


[فِي هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في العقيقة]

فَصْلٌ
فِي هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في العقيقة في " الموطأ " أنه سئل عنها، فَقَالَ: «لَا أُحِبُّ الْعُقُوقَ» ، كَأَنَّهُ كَرِهَ الِاسْمَ، وصح عنه من حديث عائشة: «عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاة» ، «كُلُّ غُلَامٍ رَهِينَةٌ بِعَقِيقَتِهِ، تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السابع، ويحلق رأسه ويسمى» (5) . 
والرهن في اللغة: الحبس، قيل: محبوسا عن الشفاعة لأبويه، والظاهر أنه مرتهن في نفسه محبوس من خير يراد به، ولا يلزم منه أن يعاقب في الآخرة. وَقَدْ يَفُوتُ الْوَلَدَ خَيْرٌ بِسَبَبِ تَفْرِيطِ الْأَبَوَيْنِ، كترك التسمية عند الجماع، 
وذكر أبو داود فِي " الْمَرَاسِيلِ " عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ في عقيقة الحسن والحسين «أن يبعثوا إِلَى بَيْتِ الْقَابِلَةِ بِرِجْلٍ، وَكُلُوا وَأَطْعِمُوا، وَلَا تكسروا منها عظما» . 
قال الميموني: تذاكرنا لكم يسمى الصبي؟ فقال أبو عبد الله: يُرْوَى عَنْ أنس أَنَّهُ يسمى لثلاثة، وأما سمرة فقال: يسمى اليوم السابع.
___________(1) سورة الأنعام، الآية: 2.
(2) سورة الحج، الآية: 34.
(3) سورة الأنعام، الآية: 142.
(4) سورة المائدة، الآية: 95.
(5) أبو داود والنسائي، وصححه غير واحد.
___________________مختصر زاد المعاد المؤلف : الإمام محمد بن عبدالوهاب بن سليمان التميمي رحمه الله تعالي المكتبة الشاملة 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة