الترغيب في سكنى المدينة إلى الممات، وما جاء في فضلها، وفضل أحُد ووادي العقيق


15 - (الترغيب في سكنى المدينة إلى الممات، وما جاء في فضلها، وفضل أحُد ووادي العقيق (1)).


1186 - (1) [صحيح]
 وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"لا يصبر على لأواءِ المدينةِ وشدَّتها أَحدٌ من أُمَّتي؛ إلا كنتُ له شفيعاً يومَ القيامةِ أو شهيداً".
رواه مسلم والترمذي وغيرهما.

1187 - (2) [صحيح] وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"لا يصبر أحد على لأوائها؛ إلا كنت له شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة إذا كان مسلماً".
رواه مسلم.
(اللأْواء) مهموزاً ممدوداً: هي شدة الضيق.

1188 - (3) [صحيح] وعن سعد رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"إني أُحرِّم ما بين لابَتَيِّ المدينةِ أن يُقطعَ عِضاهُهَا، أو يُقتلَ صيدُها".
وقال:
"المدينةُ خيرٌ لهم لو كانوا يعلمون، لا يدعُها أحدٌ رغبة عنها؛ إلا أبدل الله فيها من هو خير منه، ولا يثبتُ أحدٌ على لأوائِها وجَهدِها؛ إلا كنتُ له شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة".

زاد في روايةٍ:
"ولا يريد أَحدٌ أهلَ المدينةِ بسوءٍ؛ إلا أذابهُ الله في النارِ ذوبَ الرصاصِ، أو ذوبَ الملحِ في الماءِ".
رواه مسلم.
(لابتا المدينة) بفتح الباء مخففة: هو حرتاها وطرفاها.
(والعِضاه) بكسر العين المهملة وبالضاد المعجمة وبعد الألف هاء: جمع (عضاهة)، وهي شجرة الخمط، وقيل: بل كل شجرة ذات شوك، وقيل ما عظم منها.

1189 - (4) [صحيح لغيره] وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"ليأتينَّ على (2) المدينةِ زمانٌ ينطلقُ الناسُ منها إلى الأريافِ، يلتمسون الرخاءَ، فيجدونَ رخاءً، ثم يأْتونَ فيتحملون بأَهليهم إلى الرخاءِ، والمدينةُ خيرٌ لهم لو كانوا يعلمون".
رواه أحمد والبزار -واللفظ له (3) -، ورجاله رجال "الصحيح".
(الأرياف) جمع (ريف) بكسر الراء، وهو ما قارب المياه في أرض العرب. وقيل: هو الأرض التي فيها الزرع والخصب. وقيل غير ذلك.

1190 - (5) [صحيح] وعن سفيان بن أبي زهير قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"تفتحُ اليمنُ فيأْتي قوم يَبُسُّون، فيتحملون بأَهليهم ومن أَطاعهم، والمدينة خيرٌ لهم لو كانوا يعلمون، وتفتحُ الشامُ، فيأْتي قوم يَبُسُّون، فيتحملون بأَهليهم ومن أطاعهم، والمدينةُ خيرٌ لهم لو كانوا يعلمون، وتفتحُ العراقُ، فيأتي قوم يَبسُّون فيتحملون بأَهليهم ومن أطاعَهم، والمدينةُ خيرٌ لهم لو كانوا يعلمون".
رواه البخاري ومسلم.

(البسُّ): السَّوق الشديد، وقيل: (البسّ): سرعة الذهاب.

1191 - (6) [حسن لغيره] وعن أبي أُسَيد الساعدي رضي الله عنه قال:
كنا مع رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على قبرِ حمزةَ بنِ عبدِ المطلب، فجعلوا يَجرون النَّمِرة على وجهه؛ فتنكشفُ قدماه، ويجرونها على قدميه؛ فينكشفُ وجهُه، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"اجعلوها على وجهه، واجعلوا على قدميه من هذا الشجر".
قال: فرفعَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأْسَه فإذا أصحابُهُ يبكون، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"إنه يأتي على الناس زمانٌ يخرجون إلى الأرياف، فيصيبون منها مطعماً وملبساً ومركباً، أو قال: مراكب، فيكتبون إلى أهليهم: هَلُمَّ إلينا، فإنكم بأرض حجاز جَدوبة، والمدينةُ خيرٌ لهم لو كانوا يعلمون".
رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد حسن.
(النَّمِرة) بفتح النون وكسر الميم، وهي بردة من صوف تلبسها الأعراب.

1192 - (7) [حسن صحيح] وعن أفلح مولى أبي أيوب الأنصاري:
أنه مرَّ بزيدِ بن ثابت وأَبي أيوب رضي الله عنهما وهما قاعدان عند مسجدِ الجنائز، فقال أحدُهما لصاحبه: تذكُرُ حديثاً حدثناه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هذا المسجدِ الذي نحن فيه؟
قال: نعم -عن المدينة- سمعته يزعم: (4)
"إنه سيأَتي على الناسِ زمانٌ تفتحُ فيه فتحاتُ الأرضِ، فيخرج إليها رجالٌ يصيبونَ رخاءً وعيشاً وطعاماً، فيمرون على إخوانٍ لهم حُجَّاجًا أو عُمَّاراً فيقولون: ما يقيمُكم في لأواءِ العيشِ وشدةِ الجوعِ؟! فذاهبٌ وقاعدٌ، -حتى قالها مراراً-، والمدينةُ خيرٌ لهم، لا يثبتُ بها أحد، فيصبرُ على لأْوائها وشدتِها حتى يموتَ؛ إلا كنتُ له يوم القيامة شهيداً أو شفيعاً".

رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد جيد، ورواته ثقات.

1193 - (8) [صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"من استطاع منكم أن يموتَ بالمدينةِ فليمتْ بها، فإني أشفعُ لمن يموتُ بها" (5).
رواه الترمذي وابن ماجه وابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي، ولفظ ابن ماجه:
"من استطاعَ منكم أَن يموتَ بالمدينةِ فليفعلْ؛ فإني أشهدُ لمن ماتَ بها".
وفي رواية للبيهقي: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"من استطاعَ منكم أن يموتَ بالمدينةِ فليمتْ؛ فإنه من ماتَ بالمدينةِ شفعتُ له يومَ القيامةِ".

1194 - (9) [صحيح] وعن الصُّمَيْتَة -امرأة محمد بني ليث-؛ أنها سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"من استطاع منكم أن لا يموت إلا بالمدينة فليمت بها، فإنه من يمت بها يُشفع له أو يُشهد له" (6).
رواه ابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي.

1195 - (10) [صحيح لغيره] وفي رواية للبيهقي أنها سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:

". . . من استطاعَ أن يموتَ بالمدينة فليمتْ، فمن ماتَ بالمدينة كنتُ له شفيعاً وشهيداً" (7).

1196 - (11) [صحيح لغيره] وعن سُبَيعة الأسلمية رضي الله عنها، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"من استطاعَ منكم أن يموتَ بالمدينةِ فليمتْ؛ فإنه لا يموتُ بها أحدٌ؛ إلا كنتُ له شفيعاً أو شهيداً يومَ القيامةِ".
رواه الطبراني في "الكبير"، ورواتهُ محتج بهم في "الصحيح"، إلا عبد الله بن عكرمة، روى عنه جماعة، ولم يُخرجه (8) أحد، وقال البيهقي: "هو خطأ، وإنما هو عن صميتة"؛ كما تقدم.

1197 - (12) [حسن صحيح] وعن امرأةٍ يتيمةٍ كانت عند رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من ثقيف؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:"من استطاعَ منكم أَن يموتَ بالمدينةِ فليمتْ، فإنه من ماتَ بها؛ كنتُ له شهيداً أو شفيعاً يوم القيامة".رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد حسن.
(قال المملي) الحافظ رحمه الله:
"وقد صح من غير ما طريق عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"إن الوباء والدجال لا يدخلانها". اختصرت ذلك لشهرته". (9)

1198 - (13) [صحيح] وعن أبي قتادة رضي الله عنه:
أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأَ ثم صلى بأرضِ سعدٍ بأرضِ الحرةِ، عند بيوت السقيا ثم قال:
"إن إبراهيمَ خليلَكَ وعبدَك ونبيَّك دعاكَ لأهل مكةَ، وأنا محمدٌ عبدُك ورسولُك، أدعوك لأهل المدينةِ مثل ما دعاك إبراهيمُ لمكةَ؛ ندعوك أن تباركَ لهم في صاعِهم ومدِّهم وثمارِهم، اللهم حَبِّبْ إلينا المدينةَ، كما حببتَ إلينا مكةَ، واجعل ما بها من وباءٍ بـ (خُمٍّ)، اللهم إني حرمْتُ ما بين لابتَيْها كما حرمتَ على لسانِ إبراهيمَ الحرمَ".
رواه أحمد، ورجال إسناده رجال "الصحيح".
(خمّ) بضم الخاء المعجمة وتشديد الميم: اسم غيضة بين الحرمين قريباً من الجحفة، لا يولد بها أحد فيعيش إلى أن يحتلم إلا أن يرتحل عنها لشدة ما بها من الوباء والحمى بدعوة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأظن غدير (خم) مضافاً إليها. 

1199 - (14) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال:

كان الناسُ إذا رأَوا أولَ الثمرِ جاؤا به إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإذا أَخذَه رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"اللهمَّ باركْ لنا في ثَمرِنا، وباركْ لنا في مدينتِنا، وبارك لنا في صاعِنا ومدِّنا، اللهم إنَّ إبراهيمَ عبدُك وخليلُك ونبيُّك، وإني عبدُك ونبيُّك، وإنه دعاكَ لمكةَ، وإني أَدعوكَ للمدينةِ بمثل ما دعاكَ به لمكةَ، ومثلُه معه".
قال: ثم يدعو أصغرَ وليدٍ يراه فيعطيه ذلك الثمرَ. 

رواه مسلم وغيره.
قوله: (في صاعنا ومدنا)، يريد في طعامِنا المكيل بالصاع والمد، ومعناه: أنه دعا لهم بالبركة في أقواتهم جميعاً. 



1200-(15) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"اللهم حبِّب إلينا المدينةَ كحبِّنا مكةَ وأشدَّ، وصحّحها لنا، وبارك لنا في صاعِها ومدّها، وانقُلْ حُمّاها فاجعلها بـ (الجحفة) (10) ".
رواه مسلم (11) وغيره. 

قيل: إنما دعى بنقل الحمى إلى الجحفة؛ لأنها كانت إذ ذاك دار اليهود. 

1201-(16) [صحيح] وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال:خرجنا مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، حتى إذا كنا عند السقيا التي كانت لسعد قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"اللهم إنّ إبراهيمَ عبدَك وخليلَكَ دعاك لأهل مكة بالبركة، وأنا محمدٌ عبدُك ورسولُك، وإني أدعوك لأهلِ المدينةِ أن تباركَ لهم في صاعِهم ومدِّهم، مثل ما باركتَ لأهلِ مكةَ، واجعلْ مع البركةِ بركتين".
رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد جيد قوي (12). 

1202-(17) [صحيح] وعن أبي سعيد رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"اللهم باركْ لنا في مدينتِنا، اللهم اجعلْ مع البركةِ بركتين، والذي نفسي بيدهِ ما من المدينةِ (13) شِعبٌ (14) ولا نَقْبٌ إلا عليه ملكان يحرسانها".
رواه مسلم في حديث.

1203-(18) [صحيح] وعن أنس رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"اللهم اجعلْ بالمدينةِ ضِعفَيْ ما جعلتَ بمكةَ من البركةِ".
رواه البخاري ومسلم.

1204- (19) [صحيح لغيره] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:دعا نبي الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال:
"اللهمَّ باركْ لنا في صاعِنا ومدّنا، وباركْ لنا في شامِنا ويمنِنا".
فقالَ رجلٌ من القومِ: يا نبيَّ الله! وعراقِنا؟ (15) قال:
"إنَّ بها قرنَ الشيطانِ، وتهيُّجَ الفتن، وإنَّ الجفاءَ بالمشرقِ".
رواه الطبراني في "الكبير"، ورواته ثقات.
(قرن الشيطان) قيل: معناه: أتباع الشيطان وأشياعه. وقيل: شدته وقوته ومحل ملكه وتصريفه. وقيل غير ذلك.

1205-(20) [صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"رأيتُ في المنامِ امرأَةً سوداءَ ثائرةَ الرأسِ، خرجتْ حتى قامتْ بـ (مَهْيعة) وهي (الجحفة)، فأوَّلتُ أن وباءَ المدينةِ نُقِلَ إلى (الجحفة) ".
رواه الطبراني في "الأوسط"، ورواة إسناده ثقات (16).
(مَهْيعة) بفتح الميم وإسكان الهاء بعدها ياء مثناة تحت، وعين مهملة مفتوحتين، هي اسم لقرية قديمة كانت بميقات الحج الشامي، على اتنين وثلاثين ميلاً من مكة، فلما أخرج العماليق بني عبيل إخوة عاد من يثرب نزلوها، فجاءهم سيل (الجُحاف) -بضم الجيم-، فجحفهم، وذهب بهم، فسميت حينئذ (الجُحفة) بضم الجيم وإسكان الحاء المهملة. 

1206-(21)[صحيح] وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

"خير ما رُكِبَتْ إليه الرواحلُ مسجدُ إبراهيمَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومسجدي".
رواه أحمد بإسناد حسن، (17) والطبراني، وابن خزيمة في "صحيحه"، إلا أنه قال:

"مسجدي هذا، والبيت المعمور".
وابن حبان في "صحيحه" ولفظه:
"إنَّ خيرَ ما رُكِبَتْ إليه الرواحلُ مسجدي هذا، والبيتُ العتيق". 



(قال الحافظ): 

1207- (22)[صحيح] وقد صح من غير ما طريق (18)؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: 
"لا تشدُّ الرواحلُ إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجدِ الحرام، والمسجدِ الأقصى". [تقدم 14 - باب/ من حديث عائشة].  
1208 - (23) [صحيح] وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأبي طلحة:
"التمسْ لي غلاماً من غلمانِكم يخدمُني".
فخرج أبو طلحةَ يُردفُني وراءه، فكنت أخدمُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كلما نزلَ،قال: ثم أقبلَ (19). حتى إذا بدا له أحُدٌ قال:
"هذا جبلٌ يحبُّنا ونحبُّه" (20). فلما أشرف على المدينةِ قال:
"اللهم إني أُحَرِّمُ ما بين جبليها مثلَ ما حرمَ إبراهيمُ مكةَ، -قال-: اللهم باركْ لهم في مدِّهم وصاعِهم". 
رواه البخاري ومسلم -واللفظ له-.
قال الخطابي في قوله: "هذا جبل يحبُّنا ونحبُّه":
"أراد به أهل المدينة وسكانها كما قال تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} أي: أهل القرية.
قال البغوي: والأولى إجراؤه على ظاهره، ولا ينكر وصف الجمادات بحب الأنبياء والأولياء وأهل الطاعة كما حنَّت الأسطوانة على مفارقته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى سمع القوم حنينها إلى أن سكِّنها، وكما أخبر: أن حَجَراً كان يسلم عليه قبل الوحي. فلا ينكر عليه أن يكون جبل أحد وجميع أجزاء المدينة تحبّه وتحنّ إلى لقائه حالة مفارقته إياها".
(قال الحافظ): "وهذا الذي قاله البغوي حسن جيد. والله أعلم".


1209 - (24) [صحيح لغيره] وقد روى الترمذي من حديث الوليد بن أبي ثور عن السُّدّي عن عَبّاد (21) بن أبي يزيد عن علي بن أبي طالب قال:
كنت مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمكة، فخرجنا في بعض نواحيها، فما استقبله جبلٌ ولا شجرٌ إلا هو يقول: السلامُ عليكَ يا رسولَ الله.

وقال الترمذي: "حديث حسن غريب".


1210 - (25) [صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"أتاني آتٍ وأنا بـ (العقيق) فقال: إنك بوادٍ مباركٍ".
رواه البزار بإسناد جيد قوي. (22)

1211 - (26) [صحيح] وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: حدثني رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"أتاني الليلةَ آتٍ من ربي وأنا بـ (العقيق) أن: صَلِّ في هذا الوادي المبارك".
رواه ابن خزيمة في "صحيحه" (23).
___________(1) قال ياقوت في "المعجم": "هو الذي ببطن وادي ذي الحليفة، وهو الأقرب منها، وهو الذي جاء فيه أنه مَهَلّ أهل العراق من ذات عرق".
(2) الأصل: (أهل المدينة)، والتصويب من "المسند" و"جامع المسانيد" (25/ 197/ 1212).
(3) قلت: بل اللفظ لأحمد (3/ 342)، والبزار إنما رواه مختصراً (2/ 52/ 1186)، وإسناده صحيح، ويشهد للفظ أحمد حديث (أفلح) الآتي برقم (7) والذي قبله.

(4) أي: يقول.
(5) أي: بأن لا يخرج منها إلى أن يموت.
(6) الأصل: "تشفع له أو تشهد له"، أي تشفع له المدينة أو تشهد له، وهو منكر، ولذلك قال الناجي (ق 136/ 1): "وأخشى أن يكون ذلك من تصرف المؤلف. . . ".
فأقول: كلا إنما هو من تصرف بعض الرواة؛ فإنه كذلك في "الإحسان" (9/ 58/ 3742)، ومر عليه المعلق! والمثبَت من "موارد الظمآن" (1032)، وكذا في رواية للبيهقي في "الشعب" (3/ 497/ 4183)، والطبراني في "المعجم الكبير" (24/ 331/ 824). فهو للبناء على المجهول، والفاعل هو الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وبذلك يلتقي الحديث مع أحاديث الباب الأخرى، ولا سيما وقد رواه النسائي في "الكبرى" (2/ 488/ 4285) بلفظ:
"فإني أشفع له، أو أشهد له". وانظر التعليق على "صحيح الموارد" (9 - الحج/ 36)، و"الصحيحة" (2928).
(7) رواه بهذا اللفظ النسائي أيضاً في "الكبرى" كما سبق.

(8) كذا الأصل، وتبعهُ عمارة، وكذلك وقع في "العجالة"، فإن كان كذلك، فالمراد أنه لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة. ويغلب على ظني أنه تصحيف، وأن الصواب: "ولم يجرّحْه أحد"، لأنه الذي يقتضيه سياق الكلام، ويؤيده قول الهيثمي: ". . وروى عنه جماعة، ولم يتكلم فيه أحد بسوء". ثم إن في الطريق إليه من هو متكلَّم فيه من قبل حفظه؛ ولذلك فالصواب أنه عن الصميتة كما نقله المؤلف عن البيهقي، وقد شرح الخلاف في إسناد الحديث الحافظ الناجي (135/ 2 - 136/ 1)، ومنه يتبين أن المرأة اليتيمة في الحديث الآتي إنما هي الصميتة نفسها! فالحديث واحد جعله المؤلف ثلاثة أحاديث؛ لعدم انتباهه للخلاف المشار إليه! وأما المعلقون الباغون الجهلة، فصححوا حديث (الصميتة)، وحسنوا رواية البيهقي الثابتة عنها! وضعفوا حديث (سبيعة)!! وقد عرفوا من كلام (الناجي) أن الحديث واحد!

(9) قلت: وما أشار إليه من الحديث متفق عليه، وهو مخرج عندي في كتابي الفريد: "قصة المسيح الدجال، ونزول عيسى عليه السلام، وقتله إياه"، جمعت فيه أطرافها من عشرات الأحاديث المنبثة في كتب السنة، مطبوعها ومخطوطها مما تيسر لي، ومن ذلك الحديثُ المشار إليه، وهو في "صحيح الجامع" رقم (3917) (ص 38/ ج 4 - الطبعة الأولى الشرعية).
(10) موضع بينه وبين مكة نحو ثلاث مراحل، ونحوه ما يأتي في الكتاب قريباً.
قال الخطابي وغيره: "كان ساكنو الجحفة يهوداً في ذلك الوقت، ففيه ليل للدعاء على الكفار بالأمراض والأسقام والهلاك. وفيه الدعاء للمسلمين بالصحة وطيب بلادهم والبركة فيها، وكشف الضر والشدائد عنهم، وهذا مذهب العلماء كافة. قال القاضي عياض: وهذا خلاف قول بعض المتصوفة أن الدعاء قدح في التوكل والرضا، وأنه ينبغي تركه! وخلاف قول المعتزلة أنه لا فائدة في الدعاء مع سبق القدر. ومذهب العلماء كافة أن الدعاء عبادة مستقلة، ولا يستجاب منه إلا ما سبق به القدر. والله أعلم".

(11) قال الناجي (136/ 1): "وكذا البخاري أيضاً". وهو في "مختصر البخاري" برقم (880).

(12) لقد أبعد المصنف النجعة -وإن تبعه الهيثمي-، فالحديث أخرجه أحمد أيضاً والترمذي وصححه، وابن خزيمة (1/ 105 - 106/ 209) وعنه ابن حبان (6/ 23/ 3738 - الإحسان)، وسنده صحيح.
(13) قلت: في الأصل زيادة: "شيء"، ولا أصل لها فحذفتها، وقال الناجي:
"ليس في مسلم لفظة (شيء)، بل هي مقحمة فيه".
قلت: والحديث في آخر "الحج" من "مسلم" (4/ 117).

(14) بكسر الشين، قال أهل اللغة: هو الفرجة النافذة بين الجبلين. وقال ابن السكيت: هو الطريق في الجبل، والنقب بفتح النون على المشهور، وحكى ضمها، وهو مثل الشعب، وقيل: هو الطريق في الجبل. قال الأخفش: أنقاب المدينة: طرقها وفجاجها. والله أعلم

(15) قلت: وكذا في حديث ابن عمر بإسناد صحيح مخرج في كتابي "تخريج فضائل الشام" (ص9 - الحديث الثامن). وفي رواية البخاري: "وفي نجدنا" أي: عراقنا كما يدل عليه لفظ الكتاب، وبه فسره العلماء، فراجع "فتح الباري" (13/ 38)، وتخريجي المذكور آنفاً.
(16) قلت: وهذا ذهول عجيب تبعه عليه الهيثمي، فالحديث رواه البخاري وأحمد وغيرهما

(17) قلت: اقتصر المؤلف على تحسينه لأنه عند أحمد (3/ 336) من طريق ابن لهيعة عن أبي الزبير عنه. وهذا تقصير فاحش من المؤلف، قلده فيه الهيثمي، ثم المعلقون الثلاثة! فقد تابع ابنَ لهيعة (الليثُ بن سعد) عند ابن حبان (1023 - موارد)، والطبراني في "الأوسط" (744 و4427)، وهو رواية لأحمد (3/ 350)، فهو إسناد صحيح على شرط مسلم. ولا غرابة في تقصير المؤلف، فإنه يعتمد -في الغالب- على الحفظ، وإنما الغرابة بحق من المعلقين الثلاثة الذين يتظاهرون بالتحقيق، فيعزون الحديث لابن حبان بالرقم، ثم يقلدون الوهم! وانظر "الصحيحة" (1648).

(18) انظر تخريج أشهرها في "إرواء الغليل" (رقم 773) (ج 3/ 221 - 232)، و"أحكام الجنائز" (285 - 289/ المعارف).

(19) أي: من خيبر.
(20) قيل: على حذف مضاف؛ أي: يحبنا أهله، ونحب أهله. فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، وأهله هم أهل المدينة. وقيل: على حقيقته، وهو الصحيح عند أهل التحقيق، إذ لا يستبعد وضع المحبة في الجبال وفي الجذع اليابس، حتى إنه حنَّ إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والله أعلم.

(21) الأصل ومطبوعة عمارة: (عبادة)، والتصحيح من "الترمذي" وكتب الرجال.
وللحديث طريق أخرى خرجته من أجلها في "الصحيحة" (2670).

(22) قلت: وهو كما قال، وقال الهيثمي (4/ 14):". . ورجاله رجال الصحيح"، وأخطأ عليه وعلى البزار وعلى الحديث أيضاً المعلقون الثلاثة، فقالوا: " (1820) حسن بشاهده المتقدم، رواه البزار في "كشف الأستار" (1021)، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (4/ 14): رواه البزار، وفيه راو لم يسم"!
وأقول: إنما قال الهيثمي هذا في حديث "بطحان على بركة من برك الجنة"، وهو عنده عقب هذا، وفي "الكشف" قبل هذا (1200)! وهو مخرج في "الضعيفة" (5730)، وسند هذا صحيح فضعفوه! ثم أخطأوا مرة رابعة في قولهم: "بشاهده المتقدم"؛ فإنه لم يتقدم، وإنما أرادوا حديث عمر الآتي بعده! وهكذا فليكن التحقيق!

(23) قلت: وفاته أنه أخرجه البخاري أيضاً وغيره بزيادة: "وقل: عمرة في حجة"، وفي رواية: "عمرة وحجة". (مختصر البخاري - 731). وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (1579)، وانظر لفظه إن شئت في رسالتي "مناسك الحج والعمرة" (ص 14 فقرة 12).
_________________صَحِيحُ التَّرْغِيب وَالتَّرْهِيب

تأليف
محمد ناصر الدين الألباني
رحمه الله
مكتَبة المَعارف لِلنَشْرِ والتوزيْع
لِصَاحِبَهَا سَعد بن عَبْد الرحمن الراشِد الريَاض

المكتبة الشاملة 








تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة