الترغيب في سماع الحديث وتبليغه ونسخه، والترهيب من الكذب على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

3 - (الترغيب في سماع الحديث وتبليغه ونسخه، والترهيب من الكذب على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -).



89 - (1) [حسن صحيح] عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"نضَّر الله امرأً سمع منا شيئاً فبلّغه كما سمعه، فَرُبَّ مُبلَّغٍ أوْعى من سامعٍ".
رَواه أبو داود (1) والترمذي، وابن حبان في "صحيحه"، إلا أنه قال:
"رَحِمَ الله امرأً".
وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح".
قوله: (نضّر) هو بتشديد الضاد المعجمة وتخفيفها، حكاه الخطابي. ومعناه: الدعاء له بالنضارة، وهي النعمة والبهجة والحُسن، فيكون تقديره: جمّله الله وزيَّنه. وقيل غير ذلك.



90 - (2) [صحيح] وعن زيد بن ثابت قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"نضّر الله امرأً سمع منا حديثاً فبلّغه غيرَه، فربَّ حاملِ فقهٍ إلى من هو أفقهُ منهُ، وربَّ حاملِ فقهٍ ليس بفقيه، ثلاث لا يَغِلُّ (2) عليهن قلبُ مسلمٍ: إخلاصُ العملِ لله، ومناصحةُ ولاةِ الأمرِ، ولزومُ الجماعة؛ فإن دعوتَهم تُحيط مَنْ وراءَهم. ومن كانت الدنيا نِيَّتَه؛ فرَّقَ الله عليه أمرَه، وجعل فقرَه بين عينَيه، ولم يأتِهِ من الدنيا إلا ما كُتِب له، ومن كانت الآخرةُ نيَّتَه؛ جمع الله أمرَه، وجعل غناه في قلبِه، وأتَتْه الدنيا وهي راغمة".

رواه ابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي بتقديم وتأخير.
ورَوى صدره إلى قوله: "ليس بفقيه" أبو داود والترمذي، وحسنه، والنسائي وابن ماجه بزيادة عليهما.

91 - (3) [صحيح لغيره] ورُوي عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه قال:
خطبنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمسجد (الخيف) من مِنى فقال:
"نضَّر الله امرأً سمع مقالتي فحفظها ووعاها، (2) ثم ذهبَ بها إلى من لم يَسمعها، فَرُبَّ حاملِ فقهٍ ليس بفقيهٍ (3)، وربَّ حاملِ فِقهٍ إلى من هو أفقهُ منه" الحديث.
رواه الطبراني في "الأوسط".

92 - (4) [صحيح لغيره] وعن جُبَير بنِ مُطعِم قال:
سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بـ (الخيْف) خيف منى يقول:
"نضَّر الله عبداً سمع مقالتي فحفِظَها وَوَعاها، وبلَّغها من لم يسمعْها، فربَّ حاملِ فقهٍ لا فِقهَ له، ورب حاملِ فقهٍ إلى من هو أفقه منه، ثلاثٌ لا يُغِلُّ (4) عليهن قلبُ مؤمن: إخلاصُ العمل لله، والنصيحةُ لأئمةِ المسلمين، ولزومُ جماعتهم؛ فإن دعوتَهم تَحوط مَنْ وراءَهم".رواه أحمد وابن ماجه، والطبراني في "الكبير" مختصراً ومطولاً، إلا أنه قال: "تُحيط" (5) بياء بعد الحاء، رووه كلهم عن محمد بن إسحاق عن عبد السلام (6) عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه.
وله عند أحمد طريق عن صالح بن كيسان عن الزهري، وإسناد هذه حسن.


93 - (5) [صحيح] وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"إذا مات ابنُ آدم انقطع عملُه إلا من ثلاثٍ: صدقةٍ جاريةٍ، أو علمٍ يُنتفَعُ به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له".
رواه مسلم وغيره.
وتقدم هو وما ينتظم في سِلكه، ويأتي له نظائر في "نشر العلم" وغيره إن شاء الله تعالى.
قال الحافظ: "وناسخ العلمِ النافعِ له أجرُهُ، وأجرُ من قرأه أو نسخه أو عمل به من بعده، ما بقي خطُّه والعملُ به، لهذا الحديث وأمثاله، وناسخُ غير النافع مما يوجب الإثمَ، عليه وزرُهُ، ووزرُ من قرأه أو نسخه أو عمل به من بعده، ما بقي خطُّه والعملُ به، لما تقدم من الأحاديث (7): "من سن سنة حسنة. . "، أو ". . سيئة". والله أعلم".


94 - (6) [صحيح] وعنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

"من كذب عليَّ متعمداً؛ فليتبوأْ مقعدَه من النارِ".
رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
وهذا الحديث قد رُوي عن غير ما واحد من الصحابة في "الصحاح" و"السنن" و"المسانيد" وغيرها، حتى بلغ مبلغ التواتر. والله أعلم.

95 - (7) [صحيح] وعن سَمُرة بن جُندب عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"من حدَّث عني بحديثٍ يُرى (8) أنّه كَذبٌ؛ فهو أحد الكاذِبين" (9).
رواه مسلم وغيره.

96 - (8) [صحيح] وعن المغيرةِ قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"إنَّ كَذِباً عليَّ ليس ككذِبٍ على أحدٍ، فمن كَذبَ عليَّ متعمداً؛ فليتبوأ مقعدَه من النارِ".
رواه مسلم وغيره (10).

___________
(1) قلت: ذكْر أبي داود في هذا الحديث وهم، فإنه لم يخرجه من حديث ابن مسعود، وإنما من حديث زيد بن ثابت الآتي بعده.
(2) يروى بفتح الياء وضمها، فمن فتح؛ جعله من (الغل): وهو الضغن والحقد، يقول: لا يدخله حقد يزيله عن الحق، من ضمَّ؛ جعله من الخيانة، و (الإغلال): الخيانة في كل شيء. كذا في "الكواكب الدراري" لابن عروة الحنبلي (1/ 23/ 2).

(3) زاد في الأصل: "وبلغها من لم يسمعها"، وقد حذفتها لأنها لم ترد في المخطوطة، ولا في "المجمع" (1/ 139)، ولأنه تكرار لا معنى له، وإن جاءت في طبعة مصطفى عمارة وغيرها.
(4) الأصل: "لا فقه له". وكذا في مطبوعة عمارة، والتصويب من "المجمع" ومخطوطة الظاهرية.
(3) انظر الحاشية (2) المتقدمة في الصفحة السابقة.

(5) قلت: لا وجه لهذا الاستثناء، فالحديث في "كبير الطبراني" (1/ 77/ 41) و (رقم 1541 طبعة أخينا حمدي السلفي) بهذا السياق الذي ذكره المؤلف، وفيه اللفظ الثاني "تحيط"، وهو لفظ ابن ماجه (3056) وغيره ممن لم يذكرهم المصنف. وأما اللفظ الأول: "تحوط"، فلم أرها، وفي مخطوطة الظاهرية "تحفظ"، والمعنى واحد، ولفظ أحمد: "فإن دعوتهم تكون من ورائه" وهو رواية للطبراني، وما دام أن السياق له، فكان يحسن بالمؤلف أن يشير إلى ذلك، لا سيما واستثناؤه المذكور يشعر القارئ بأن السياق ليس له. ولذلك فقد أحسن الهيثمي حين أشار إلى ذلك بقوله (1/ 139): "رواه الطبراني في "الكبير" وأحمد"، فقدم من يستحق التأخير في الذكر إشارة إلى ما ذكرنا.
(6) ليس في إسناد أحمد ذكر لعبد السلام -وهو ابن أبي الجنوب- وهو رواية الطبراني هذه، لكنه أثبته في رواية أخرى عنده (1542).

(7) كذا الأصل، ولعل الصواب (أحاديث).

(8) قال الناجي (20): "هو بضم الياء، وذكر بعضهم جواز فتحها"، أي: يظن.
(9) هو بلفظ الجمع، ورواه أبو نُعيم الأصبهاني في "مستخرجه على صحيح مسلم" من رواية سمرة بلفظ (الكاذبَين) بالتثنية. ثم رواه من رواية المغيرة: " (الكاذبَين) أو (الكاذِبين) على الشك فيهما".

(10) قلت: هذا تقصير، فقد رواه البخاري أيضاً، وفيه عنده جملة فيها "النياحة" ذكره في "الجنائز". وهي عند مسلم أيضاً في موضع آخر، وقد ذكرها المصنف في أواخر هذا الكتاب، وعزاها إلى الشيخين.

_________________

صَحِيحُ التَّرْغِيب وَالتَّرْهِيب
تأليف
محمد ناصر الدين الألباني
رحمه الله
مكتَبة المَعارف لِلنَشْرِ والتوزيْع
لِصَاحِبَهَا سَعد بن عَبْد الرحمن الراشِد الريَاض
المكتبة الشاملة 




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة