( تابع ) لمحة عن الفرق الضالة : ذكر أصول الفرق

( تابع ) لمحة عن الفرق الضالة
ذكر أصول الفرق


 



        
        ذكر أصول الفرق 

لقد حدثَ التفرقُ في وقتٍ مبكرٍ، ونحنُ في هذهِ المحاضرةِ سنتكلمُ عن أربعِ فرقٍ، هي أصول الفرقِ تقريبًا.



     الفرقة الأولى القدرية

فأولُ ما حدثُ، فرقةُ " القدرية " في آخر عهد الصحابة.

" القدريةُ ": الذين ينكرونَ القدرَ، ويقولون: إنَّ ما يجري في هذا الكون ليس بقدر وقضاءٍ من الله - سبحانه وتعالى -، وإنما هو أمرٌ يحدثُ بفعل العبد، وبدون سابقِ تقدير من الله - عز وجل -، فأنكروا الركن السادسَ من أركانِ الإيمان، لأنَّ أركانَ الإيمان ستةٌ: الإيمانُ بالله، وملائكتِهِ، وكتبِه، ورسلِه، واليومِ الآخرِ، والإيمانِ بالقدرِ خيره وشره، كُلِّه من الله - سبحانه وتعالى -.

وسُمُّوا " بالقدرية "، وسُمًّوا " بمجوس " هذه الأمة، لماذا ؟.
لأنهم يزعمون أنَّ كُلَّ واحدٍ يَخْلُقُ فعلَ نفسِه، ولم يكنْ ذلك بتقديرٍ من الله، لذلك أثبتوا خالقين مع الله كالمجوس الذين يقولون: (إنَّ الكونَ له خالقانِ: " النور والظلمة "، النورُ خلقَ الخيرَ، والظلمةُ خلقَتِ الشرَّ).

" القدريةُ " زادوا على المجوسِ، لأنهم أثبتوا خالقَين متعدَّدِين، حيث قالوا: (كُلٌ يخلُقُ فعلَ نفسِه)، فلذلك سُمُّوا " بمجوسِ هذه الأمة ".

وقابَلَتْهم " فرقةُ الجبرية " الذين يقولون: " إنَّ العبدَ مجبورٌ على فعلِه، وليس له فعلٌ ولا اختيارٌ، وإنما هو كالريشةِ التي تحركُها الريحُ بغير اختيارها. 

فهؤلاء يُسَمَّونَ " بالجبرية " وهم " غُلاةُ القدرية "، الذين غلوا في إثبات القدر، وسَلَبوا العبدَ الاختيارَ.
والطائفةُ الأولى منهم على العكس، أثبتوا اختيارَ الإنسان وغَلَو فيه، حتى قالوا: إنه يخلُقُ فِعْلَ نفسِهِ مستقلاً عن الله، تعالى الله عما يقولون.

وهؤلاء يُسمَّون " بالقدرية النفاةِ ". ومنهم: " المعتزلةُ ", ومن سارَ في ركابهم.

هذه فرقة القدرية بقسميها:
1 - الغلاةُ في النفي.
2 - والغلاةُ في الإثباتِ.

وتفرَّقتِ " القدريةُ " إلى فرقٍِ كثيرةٍ، لا يعلمها إلا الله؛ لأنَّ الإنسانَ إذا تركَ الحق فإنه يهيمُ في الضلال، كُلُّ طائفةٍ تُحدثُ لها مذهبًا وتنشقُ به عن الطائفة التي قبلها، هذا شأنُ أهلِ الضلالِ؛ دائمًا في انشقاقٍ، ودائمًا في تفرقٍ، ودائمًا تحدثُ لهم أفكارٌ وتصوراتٌ مختلفة متضاربة.

أما أهلُ السنّةِ والجماعةِ؛ فلا يَحدُثُ عندَهم اضطرابٌ ولا اختلافٌ، لأنهم متمسكون بالحق الذي جاء عن الله - سبحانه وتعالى -، فهم معتصمون بكتابِ الله وبسنةِ رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فلا يَحْصُلُ عندَهم افتراقٌ ولا اختلافٌ، لأَّنهم يسيرونَ على منهجٍ واحدٍ.



     الفرقة الثانية الخوارج

وهم الذين خرجوا على ولي الأمر في آخر عهدِ عثمان - رضي الله عنه -، ونتَجَ عن خروجهم قتلُ عثمان - رضي الله عنه -.
ثم في خلافةِ علي - رضي الله عنه - زادَ شرُهم، وانشقوا عليه، وكفّروه، وكفّروا الصحابة؛ لأنهم لم يوافقوهم على مذهبهم، وهم يحكُمون على من خالفَهم في مذهبهم أنه كافرٌ، فكفّروا خيرةَ الخلقِ وهم صحابةُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. لماذا ؟. لأنَّهم لم يوافقوهم على ضلالِهم وعلى كفرهم.

ومذهبُهم: أنَّهم لا يلتزمون بالسنّة والجماعة، ولا يطيعون وليَّ الأمر، ويرون أن الخروجَ عليه من الدين، وأن شَقَّ العصا من الدين (1) 
وعكس ما أمر الله به في قوله:
 {أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}. [ سورة النساء، الآية: 59 ] 
الله - جل وعلا - جعل طاعة ولي الأمر من الدين، والنبي صلى الله عليه وسلم جَعَلَ طاعةَ وليِّ الأمرِ من الدين قال صلى الله عليه وسلم: (أوصيكم بتقوى الله والسمعِ والطاعةِ، وإن تأَمَّرَ عليكم عبدٌ، فإنه من يعشْ منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا..)(2). 

___________
(1)[وفي عصرنا ربما سمّوا من يرى السمعَ والطاعةَ لأولياء الأمور في غير ما معصية عميلاً، أو مداهنًا، أو مغفلاً. فتراهم يقدحون في وَليَّ أمرهم، ويشِّهرون بعيوبه من فوق المنابر، وفي تجمعاتهم، والرسولُ صلى الله عليه وسلم يقولُ: (من أرادَ أن ينصحَ لسلطان بأمر؛ فلا يبدِ له علانيةً ولكن ليأخذْ بيدِه، فيخلوا به، فإن قَبِلَ منه فذَّاكَ، وإلا كان قد أدَّى الذي عليه) رواه أحمد: (3/404) من حديث عياض بن غنم - رضي الله عنه -، ورواه - أيضًا - ابن أبي عاصم في " السنة ": (2/522).
أو إذا رأى وليُّ الأمرِ إيقافَ أحدِهم عن الكلام في المجامع العامة؛ تجمعوا وساروا في مظاهرات، يظنونَ - جهلاً منهم - أنَّ إيقافَ أحدِهم أو سجنَهُ يسوغُ الخروج، أوَلَمْ يسمعوا قولَ النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عوف بن مالك الأشجعي - رضي الله عنه -، عند مسلم (1855): (لا. ما أقاموا فيكم الصلاة).

وفي حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - في " الصحيحين ": (إلا أن تروا كفرًا بواحًا، عندكم فيه من الله برهان) وذلك عند سؤال الصحابة واستئذانهم له بقتال الأئمة الظالمين.
ألا يعلمُ هؤلاء كم لبثَ الإمامُ أحمدُ في السجنِ، وأينَ ماتَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية ؟!.
ألم يسجن الإمام أحمد بضع سنين، ويجلد على القول بخلق القرآن، فلما لم يأمر الناس بالخروج على الخليفة ؟!.
وألم يعلموا أن شيخ الإسلام مكث في السجن ما يربو على سنتين، ومات فيه، لِمَ لَمْ يأمرِ الناسَ بالخروجِ على الوالي - مع أنَّهم في الفضلِ والعلمِ غايةٌُ، فيكف بمن دونهم - ؟؟!.

إنَّ هذه الأفكارَ والأعمالَ لم تأتِ إلينا إلا بعدما أصبحَ الشبابُ يأخذون علمَهم من المفكِّرِ المعاصرِ فلان، ومن الأديب الشاعرِ فلان، ومن الكاتبِ الإسلامي فلان، ويتركونَ أهل العلمِ، وكتبَ أسلافِهم خلفَهم ظهريًا؛ فلا حولَ ولا قوّةَ إلا بالله. ]

(2) ابو داوود السنة (4607) والدارمي المقدمة (95)
 [ سبق تخريجه ص: 7. ]


_________________________



فطاعةُ وليِّ الأمرِ المسلمِ من الدين. و " الخوارجُ " يقولون: لا، نحنُ أحرارٌ. هذه طريقة الثوراتِ اليوم.
فـ " الخوراجُ " الذين يريدونَ تفريقَ جماعةِ المسلمين، وشّقَّ عصا الطاعة، ومعصية الله ورسولهِ في هذا الأمر، ويرون أن مرتكبَ الكبيرةِ كافرٌ.
ومرتكبُ الكبيرة هو: الزاني - مثلاً -، والسارقُ، وشاربُ الخمر؛ يرون أنه كافرٌ، في حين أنَّ أهلَ السنّةِ والجماعةِ يرون أنهُ " مسلمٌ ناقصُ الإيمان " (1) 

، ويسمونه بالفاسق الملَّي؛ فهو " مؤمنٌ بإيمانهِ فاسقٌ بكبيرته "، لأنه لا يخُرِجُ من الإسلام إلا الشركُ أو نواقضُ الإسلام المعروفة، أما المعاصي التي دون الشرك؛ فإنها لا تُخرجُ من الإيمانِ، وإن كانتْ كبائرَ، قال الله - تعالى - :
 {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [ سورة النساء، الآية: 48 ].

و " الخوارجُ " يقولون: مرتكبُ الكبيرة كافرٌ، ولا يٌغفرُ له، وهو مخلّدٌ في النار. وهذا خلافُ ما جاءَ في كتاب الله - سبحانه وتعالى -.
والسببُ: أنهم ليسَ عندهم فقهٌ.
لاحظُوا أن السببَ الذي أوقَعَهُم في هذا أنهم ليس عندَهم فقه، لأنَّهم جماعةٌ اشتدوا في العبادةِ، والصلاةِ، والصيامِ، وتلاوةِ القرآنِ، وعندهم غَيرةٌ شديدةٌ، لكنهم لا يفقهون، وهذه هي الآفة.
فالاجتهادُ في الورعِ والعبادةِ؛ لا بدَّ أن يكونَ مع الفقه في الدين والعلم.
ولهذا وصفهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم لأصحابه، بأن الصحابةَ يحقرون صلاتهم إلى صلاتهم، وعبادتهم إلى عبادتهم، ثم قال صلى الله عليه وسلم: " يمرُقُون من الدين كما يمرق السهم من الرَّمَّيةِ "(2) 
__________
(1) [ حتى لو فعل الكبيرة مستخفًا بها لا يكفر ما لم يستحلها، خلافًا لما يقوله بعضُهم: من أنَّ مرتكبَ الكبيرة إذا كان مستخفًا يكفر كفرًا مخرجًا عن الملَّة.
وهذا القولُ هو عينُ قولِ الخوارجِ، كما قال ذلك شيخنا الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز، عندما سئل عنه بالطائف عام 1415 هـ. ]

(2) [ جزءٌ من حديثٍ طويل، أخرجه أحمد: (3/73)، والبخاري: (7432)، ومسلم: (1064)، والنسائي: (2577) (4112)، وأبو داود: (7464)، والطيالسي: (2234) من حديث أبي سعيد - رضي الله عنه -.
ومن حديث علي ابن أبي طالب - رضي الله عنه - :
البخاري: (3611) (5057) (6930)، ومسلم: (1066)، وأبو داود: (4767)، والطيالسي: (168)، والنسائي: (4113)، وأحمد: (1/81) (1/113).
ومن حديث جابر - رضي الله عنه -، عند: أحمد، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه.
ومن حديث سهل بن حنيف - رضي الله عنه -، عند: الشيخين، والنسائي.
ومن حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -، عند: أحمد، والترمذي، وابن ماجه.
ومن حديث أبي برزة الأسلمي - رضي الله عنه -، عند: أحمد، والطيالسي، والنسائي، والحاكم.
ومن حديث أبي سعيد وأنس - رضي الله عنهما -، عند: أحمد، وأبي داود، والحاكم في " مستدركه ".
ومن حديث أبي بكرة - رضي الله عنه -، عند: أحمد، والطبراني.
ومن حديث عامر بن وائلة - رضي الله عنه -، عند: الطبراني. ]



__________________________



مع عبادتهم، ومع صلاحهم، ومع تهجدهم وقيامهم بالليل، لكن لما كان اجتهادُهم ليس على أصلٍ صحيحٍ، ولا على علمٍ صحيح، صار ضلالاً ووباءً وشرًا عليهم وعلى الأمةِ.

وما عُرِفَ عن " الخوارجِ " في يومٍ من الأيام أنهم قاتلوا الكفار، أبدًا، إنما يقاتلون المسلمين، كما قال صلى الله عليه وسلم: " يقتلون أهلَ الإسلامِ ويَدَعُون أهلَ الأوثانِ". (1) 

فما عرفنا في تاريخ " الخوارجِ "، في يومٍ من الأيام أنَّهم قاتلوا الكفار والمشركينَ، وإنما يقاتلون المسلمين دائمًا: قتلوا عثمان. وقتلوا علي بن أبي طالب. وقتلوا الزبير بن العوام. وقتلوا خيار الصحابة. وما زالوا يقتلون المسلمين.

وذلك بسبب جهلهم في دين الله - عزَّ وجلَّ -، مع ورَعِهم، ومع عبادتهم، ومع اجتهادهم، لكن لما لم يكنْ هذا مؤسَّسًا على علمٍ صحيح؛ صارَ وبالاً عليهم، ولهذا يقول العلامةُ ابنُ القيم في وصفهم :
 (وَلَهُمْ نُصُوصٌ قَصَّروا في فَهْمِهَا ** فَأُتُوْا مِنَ التقْصِيرِ في العِرْفَانِ)(2) 

فهم استدلوا بنصوصٍ وهم لا يفهمونها، استدلوا بنصوصٍ من القرآن ومن السنّة؛ في الوعيدِ على المعاصي، وهم لا يفقهون معناها، لم يُرجعوها إلى النصوص الأخرى، التي فيها الوعدُ بالمغفرة، والتوبة لمن كانت معصيتُه دون الشرك؛ فأخذوا طرفًا وتركوا طرفًا. هذا لجهلهم.
والغيرةُ على الدين والحماسُ لا يكفيان، لا بد أَنْ يكونَ هذا مؤسَّسًا على علمٍ، وعلى فقهٍ في دين الله - عز وجل -، يكونُ ذلك صادرًا عن علمٍ، وموضوعًا في محله.
والغيرةُ على الدين طيبةٌ، والحماسُ للدين طيِّب، لكن لا بد أن يُرشًَّدَ ذلك باتباع الكتابِ والسنة.
ولا أَغْيَرَ على الدين، ولا أنصحَ للمسلمين؛ من الصحابة - رضي الله عنهم -، ومع ذلك قاتلوا " الخوارج "؛ لخطرهم وشرِّهم.
قاتَلهم عليُّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -، حتى قتَلهم شرَّ قِتْلَةٍ في وقعةِ " النهروان "، وتحقق في ذلك ما أخبر به صلى الله عليه وسلم: من أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم بَشَّرَ من يقتُلُهم بالخير والجنة. فكان علي بن أبي طالب هو الذي قتلَهم، فحصَلَ على البشارةِ من الرسول صلى الله عليه وسلم.(3)
 قَتَلَهُم ليدفعَ شرَّهم عن المسلمين.
وواجبٌ على المسلمين في كلِّ عصرٍ إذا تحققوا من وجودِ هذا المذهبِ الخبيثِ؛ أن يعالجوه بالدعوة إلى الله أولاً، وتبصيرِ الناس بذلك؛ فإن لم يمتثلوا قاتَلُوهم دفعًا لشرِّهم.
وعليُّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - أرسلَ إليهم ابنَ عمه: عبدَ الله بنَ عباس، حَبْرَ الأمة، وترجمانَ القرآن؛ فناظرَهم، ورَجَعَ منهم ستَّةُ آلاف، وبقي منهم بقيةٌ كثيرةٌ لم يرجعوا، عندَ ذلك قاتَلَهم أميرُ المؤمنين عليُّ بنُ أبي طالب ومعه الصحابة؛ لدفعِ شرِّهم وأذاهم عن المسلمين.
هذه " فرقةُ الخوراج " ومذهبُهم.

_________
(1) [ جزءٌ من حديثٍ طويل، أخرجه أحمد: (3/73) (3/68) ومختصرًا: (3/72)، والبخاري: (7432) (4667) مختصرًا، ومسلم: (1064)، والنسائي: (2577) (4112)، وأبو داود: (7464)، والطيالسي: (2234). ]

(2) [ نونية ابن القيم المسمّاة: " الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية " ص: 97. ]

(3) [ روى البخاري في صحيحه : (6930)، ومسلم في صحيحه : (1066)، وأحمد في مسنده : (1/113)، وابن أبي عاصم في " السنة ": (914)، وعبد الله ابن الإمام أحمد في " السنة ": (1487) :
عن علي - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يخرجُ في آخرِ الزمانِ قومٌ أحداثُ الأسنانِ، سفهاءُ الأحلامِ، يقولون من خير قول البريةِ، لا يجاوزُ إيمانُهم حناجرَهم، فأينما لقيتموهم فاقُتلوهُم؛ فإنًّ قَتْلَهم أجرٌ لمن قتَلَهم يوم القيامة ".
قال أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - بعدما روى حديثًا في الخوارج وعلاماتِهم، رواه أحمد في " المسند ": (3/33)، وابنه في " السنة ": (1512) - قال: (فحدثني عشرون أو بضعٌ وعشرون من أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنَّ عليًّا وَلِيَ قتْلَهم).
وروى أحمد: (1/59)، ومسلم: (1066)، وعبد الله بن الإمام أحمد في " السنة ": (1471) عن علي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يخرجُ قومٌ فيهم رجلٌ مودنٌ اليدِ، أو مثدون اليدِ، أو مخدج اليدِ، ولولا أن تبطروا لأنبأتكم بما وَعَدَ الله الذين يقاتلونهم على لسان نبيه ".
وروى مسلم: (1065)، وأبو داود: (4667)، وعبد الله بن الإمام أحمد في " السنة ": (1511) عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تَمرق مارقةٌ في فِرقَةٍ من المسلمين، يقتُلُهما أولى الطائفتين بالحق).
هذا، وقد جاء الأمرُ بقتلِهم وفضلِه في أحاديثَ كثيرةٍ، ليسَ هذا مجالُ ذِكرِها. ]



__________________________



       الفرقة الثالثة الشيعة

" الشيعة ": هم الذين يتشيّعون لأهلِ البيت.
و " التشيّع " في الأصل: الاتباعُ والمناصرةُ :
 {وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ}. [ سورة الصافات 83 ]
يعني: أتباعه إبراهيم، ومن أنصار ملتِه؛ لأنَّ الله - سبحانه - لما ذكر قصةَ نوحٍ قال: {وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ}.

فأصلُ " التشيّع ": الاتباعُ والمناصرةُ، ثم صار يُطلقُ على هذه الفِرقة، التي تزعم أنها متَّبعةٌ لأهل البيت - وهم: عليُّ بنُ أبي طالب - رضي الله عنه - وذريتُه -.

ويزعمون أن عليًّا هو الوصي بعد الرسول صلى الله عليه وسلم على الخلافِة، وأنَّ أبا بكر، وعمرَ، وعثمانَ، والصحابةَ؛ ظلموا عَليَّا، واغتصبوا الخلافةَ منه. هكذا يقولون.

وقد كذبوا في ذلك، لأن الصحابة أجمعوا على بيعة أبي بكرٍ ومنهم عليٌّ - رضي الله عنه -، حيثُ بايَعَ لأبي بكرٍ، وبايعَ لعمر، وبايعَ لعثمان.
فمعنى هذا: أنهم خونوا عليًّا - رضي الله عنه -.

وقد كَفَّروا الصحابةَ إلا عددًا قليلاً منهم، وصاروا يعلنونَ أبا بكرٍ وعمرَ، ويلقِّبونهما " بصنمي قريش ".
ومن مذهبهم: أنهم يُغلون في الأئمةِ من أهلِ البيت، ويُعطونَهم حقَّ التشريع ونسخَ الأحكام.

ويزعمون أن القرآن قد حُرِّفَ ونُقِّصَ، حتى آل بهم الأمرُ إلى أن اتخذوا الأئمةَ أربابًا من دون الله، وبنوا على قبورهم الأضرحةَ، وشَيَّدوا عليها القبابَ، وصاروا يطوفونَ بها، ويذبحون لها وينذرون.

وتفَّرقت " الشيعة " إلى فرقٍ كثيرة، بعضُها أخَفُّ من بعض، وبعضُها أشَدُّ من بعض، منهم: " الزيدية "، ومنهم: " الرافضة الإثنا عشرية "، ومنهم: " الإسماعيلية " و " الفاطمية "، ومنهم: " القرامطة "، ومنهم..، ومنهم..، عددٌ كبيرٌ، وفِرَقٌ كثيرة.

وهكذا.. كلُّ من تركَ الحقَّ فإنهم لا يزالون في اختلافٍ وتفَرُّقٍ، قال - تعالى - :
 {فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}. [ سورة البقرة الآية : 137 ]
فمن تركَ الحقَّ يُبتلى بالباطل، والزيغِ، والتفرُّقِ، ولا ينتهي إلى نتيجة، بل إلى الخسارة - والعياذُ بالله -.

وتفرَّقت " الشيعةُ " إلى فرقٍ كثيرةٍِ، ونِحَلٍ كثيرة.

وتفرَّقت " القدرية ".

وتفرَّقت " الخوارج " إلى فرق كثيرة: " الأزارقة "، و " الحرورية "، و " النجدات "، و " الصفرية "، و " الإباضية "، ومنهم الغلاةُ، ومنهم من هو دون ذلك.



     الفرقة الرابعة الجهمية

" الجهميةُ "، وما أرداك مالجهمية ؟!!.
" الجهميةُ ": نسبةً إلى " الجهم بن صفوان "، الذي تتلمذَ على " الجعد بن دِرهم "، و " الجعد بن درهم " تتلمذَ على " طالوت "، و " طالوت " تتلمذ على " لبيد بن الأعصم " اليهودي؛ فهم تلاميذ اليهود.
وما هو " مذهبُ الجهمية " ؟.

" مذهبُ الجهمية ": أنهم لا يُثبتون لله اسمًا ولا صفةً، ويزعمون أنه ذاتٌ مجرَّدةٌ عن الأسماءِ والصفاتِ؛ لأن إثباتَ الأسماءِ والصفاتِ - بزعمهم - يقتضي الشركَ، وتعدُّدَ الآلهة - كما يقولون -.
هذه شبهتُهم اللعينة.

ولا ندري ماذا يقولون في أنفسهم ؟. فالواحدُ منهم يوصفُ بأنه عالمٌ، وبأنه غنيٌّ، وبأنه صانعٌ، وبأنه تاجرٌ. فالواحدُ منهم له عِدَّةُ صفاتٍ، هل معنى ذلك أن يكونَ عِدَّةَ أشخاصٍ ؟؟!!.

هذه مكابرةٌ للعقولِ؛ فلا يلزمُ من تعددِ الأسماءِ والصفاتِ تعدُّدَ الآلهةِ، ولهذا لمَّا قال المشركون من قبلُ لَمَّا سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يا رحمن، يا رحيم) قالوا: هذا يزعم أنه يعبدُ إلهًا واحدًا، وهو يدعو آلهةً متعددةً، فأنزل الله - سبحانه وتعالى - قوله :
 {قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى} (1) 

فأسماء الله كثيرة، هي تُدلُّ على كمالِه وعظمتِه - سبحانه وتعالى -، لا تدلُّ على تعدُّدِّ الآلهةِ - كما يقولون -، بل تدلُّ على العظمة، وعلى الكمالِ.

أما الذاتُ المجرَّدةُ التي ليس لها صفاتٌ فهذهِ لا وجودَ لها، مستحيلٌ يوجدُ شيٌء وليس له صفاتٌ، أبدًا، ولو على الأقل صفة الوجود.

ومن شبههم: " أن إثباتَ الصفاتِ يقتضي التشبيه، لأنَّ هذه الصفات يوجد مثلها في المخلوقين ".

وهذا قولٌ باطل، لأنَّ صفات الخالق تليق به، وصفات المخلوقين تليقُ بهم؛ فلا تشابه.

و " الجهميةُ " جمعوا إلى ضلالِهم في الأسماء والصفاتِ الجبرَ في القدر، لأن " الجهميةَ " يقولون: (إنَّ العبدَ ليس له مشيئةٌ، وليس له اختيارٌ، وإنما هو مُجْبَرٌ على أفعالِه).
ومعنى هذا: أنَّه إذا عُذِّبَ على المعصيةِ يكونُ مظلومًا، لأنَّها ليستْ فِعْلَهُ، وإنما هو مجبرٌ عليها - كما يقولون -، تعالى الله عن ذلك.

فهم جمعوا بين " الجبرِ في القدر "، وبين " التجهُّم في الأسماءِ والصفاتِ "، وجمعوا إلى ذلك " القولَ بالإرجاءِ "، وأضافوا إلى ذلكَ " القول بخلقِ القرآن " {ظلماتٌ بعضُها فوقَ بعضٍ}[ سورة النور 40 ] .

قال ابن القيم :
جِيْمٌ وجِيْمٌ ثُمَّ جِيْمٌ مَعْهُمَا ** مَقْرُونَةً مَعْ أَحْرُفٍ بِوِزَانِ
جَبْرٌ وإِرْجَاءٌ وَجِيْمُ تَجَهُّمٍ ** فَتَأَمَّلِ المجمُوعَ في الْمِيْزَانِ
فَاحْكُمْ بِطالِعِها لِمَنْ حَصُلَتْ ** بخلاصِهِ مِنْ رِبْقَةِ الإيمانِ (2) 

يعني: جمعوا بين " جَبْرٍ " و " تَجَهُّمٍ " و "إِرجاءٍ "، ثلاثُ جيمات، والجِيمُ الرابعةُ جِيمُ جهنَّم.

الحاصلُ: أن هذا " مذهبَ الجهميةِ "، والذي اشتهرَ فيه نفيُ الأسماءِ والصفاتِ عن الله - سبحانه وتعالى -، انشَقَّ عنه " مذهبُ المعتزلةَ "، و " مذهبُ الأشاعرة "، و " مذهبُ الماتريدية ".

و " مذهبُ المعتزلة ": أنهم أثبتوا الأسماءَ ونفوا الصفات، لكن أثبتوا أسماءً مجرَّدة، مجرَّدَ ألفاظٍ لا تدلُّ على معانٍ ولا صفاتٍ.

سُمُّوا " بالمعتزلة ": لأن إمامهم " واصل بن عطاء " كان من تلاميذ الحسن البصري - رحمه الله -، الإمامَ التابعي الجليل، فلمَّا سئُلَ الحسن البصري عن مرتكب الكبيرة، ما حكمه ؟. فقال بقولِ أهل السنَّةِ والجماعة: (إنه مؤمنٌ ناقصُ الإيمان، مؤمنٌ بإيمانِه فاسقٌ بكبيرته).

فلم يرضَ " واصلُ بنُ عطاء " بهذا الجواب من شيخه؛ فاعتزلَ وقال: (لا. أنا أرى أنه ليس بمؤمنٍ ولا كافر، وأنه في المنزلةِ بين المنزلتين). وانشَقَّ عن شيخه - الحسن - وصار في ناحيةِ المسجد، واجتمعَ عليه قومٌ من أوباشِ الناس وأخذوا بقوله.

وهكذا دعاةُ الضلالِ في كلِّ وقتٍ، لا بدَّ أن ينحازَ إليهم كثيرٌ من الناس، هذه حِكمةٌ من الله.

تركوا مجلسَ الحسنِ، شيخِ أهلِ السنّةِ، الذي مجلسُه مجلسُ الخيرِ، ومجلسُ العلمِ، وانحازوا إلى مجلسِ " المعتزلي: واصلِ بنِ عطاء " الضالِ المضِل.

ولهم أشباهٌ في زماننا، يتركونَ علماءَ أهلِ السنّة والجماعةِ، وينحازونَ إلى أصحابِ الفكرة المنحرف.(3)  

ومن ذلك الوقت سُمُّوا " بالمعتزلة "، لأنهم اعتزلوا أهلَ السنّة والجماعة؛ فصاروا ينفونَ الصفات عن الله - سبحانه وتعالى -، ويثبتون له أسماءَ مجرَّدة، ويحكُمون على مرتكبِ الكبيرة بما حَكَمَتْ به " الخوارجُ ": (أنه مخلَّدٌ في النار)، لكن اختلفوا عن " الخوارج " في الدنيا، وقالوا: (إنه يكون بالمنزلة بين المنزلتين، ليس بمؤمن ولا كافر).

بينما " الخوارجُ " يقولون: (كافر).
يا سبحانَ الله ! هل يُعقَلُ أنَّ الإنسانَ لا يكونُ مؤمنًا ولا كافرًا ؟!.
والله - تعالى - يقول :
 {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ}. [ سورة التغابن، الآية: 2 ]
ما قال: ومنكم من هو بالمنزلة بين المنزلتين. لكن هل هؤلاء يفقهون ؟؟!!.

ثمَّ تَفَرَّعَ عن " مذهبِ المعتزلةِ " " مذهبُ الأشاعرة ".

و " الأشاعرة ": يُنسبونَ إلى " أبي الحسن الأشعري " - رحمه الله -.

وكان أبو الحسن الأشعري معتزليًا، ثم مَنَّ الله عليه، وعرفَ بطلانَ مذهب المعتزلة، فوقف في المسجد يومَ الجمعة وأعلنَ براءَتَهُ من مذهبِ المعتزلة، وخلعَ ثوبًا عليه وقال: (خلعتُ مذهبَ المعتزلةِ، كما خلعتُ ثوبي هذا). لكنَّه صار إلى " مذهبِ الكُلاَّبِيَّة ": أتباعِ " عبدِ الله بن سعيد بن كُلاَّب ".

و" عبدُ الله بنُ سعيد بن كُلاَّب ": كان يُثبِتُ سبعَ صفاتٍ، وينفي ما عداها، يقول: (لأنَّ العقلَ لا يدُلُّ إلا على سبعِ صفاتٍ فقط: " العلمُ "، و " القدرةُ "، و " الإرادةُ "، و " الحياةُ "، و " السمعُ "، و " البصرُ "، و " الكلامُ ") يقول: (هذه دَلَّ عليها العقل، أما ما لم يدلُّ عليه العقل - عنده - فليس بثابتٍ).

ثم إنَّ الله مَنَّ على " أبي الحسن الأشعري "، وتركَ " مذهب الكُلاَّبِيَّةِ "، ورجعَ إلى مذهبِ الإمام أحمد بن حنبل، وقال: (أنا أقولُ بما يقولُ به إمامُ أهلِ السنَّة والجماعة أحمد بن حنبل: إنَّ الله استوى على العرش، وإنَّ له يدًا، وإنَّ له وجهًا). ذَكَرَ هذا في كتابه: " الإبانة عن أصول الديانة "، وذَكَرَ هذا في كتابه الثاني: " مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين " ذَكَرَ (أنَّه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل). وإن بَقِيَتْ عندَهُ بعضُ المخالفات..
ولكنَّ أتباعَهُ بقوا على " مذهب الكُلابية "؛ فغالبُهٍم لا يزالون على مذهبه الأول، ولذلك يُسَممّون " بالأشعرية ": نسبةً إلى الأشعري في مذهبه الأول.

أما بعدَ أن رجعَ إلى مذهبِ أهلِ السنّة والجماعة؛ فنسبةُ هذا المذهب إليه ظلمٌ، والصوابُ أن يُقال: " مذهبُ الكُلاَّبِيَّة "، لا مذهب أبي الحسن الأشعري - رحمه الله -؛ لأنه تابَ من هذا، وصَنَّفَ في ذلك كتابه: " الإبانة عن أصول الديانة "، وصَرَّح برجوعه، وتمسِّكِه بما كان عليه أهلُ السنّة والجماعة - خصوصًا الإمام: أحمد بن حنبل رحمه الله -، وإن كانت عندَه بعضُ المخالفات، مثلُ قولِه في الكلام: (إنَّه المعنى النفسي القائم بالذات، والقرآن حكاية - أو عبارة - عن كلام الله، لا أنَّه كلامُ الله).

هذا " مذهبُ الأشاعرة "، منشَقٌّ عن " مذهبِ المعتزلةِ ".
" ومذهبُ المعتزلةِ " منشَقٌّ عن " مذهبِ الجهمية ".
ثُمَّ تفرَّعت مذاهبُ كثيرةٌ، كلُّها أصلُها " مذهبُ الجهمية ".

هذه - تقريبًا - أصول الفِرَقِ (4) 
على الترتيب.
أولاً: " القدريةُ ".
ثُمَّ: " الشيعةُ ".
ثُمَّ: " الخوراجُ ".
ثُمَّ: " الجهمية ".
هذه أصول الفِرَق.
__________
(1) [ تفسير ابن كثير: (4/359). ] [ سورة الإسراء، الآية: 110 ]

(2) [ نونية ابن القيم، ص: 115. ]

(3) [ فتجدهم يقتنون أشرطتهم، وكتبهم، ويحرصون عليها، وإذا قلت لهم: إن في هذه الكتب ما يخالف معتقد أهل السنة والجماعة، السلف الصالح، من قول بخلق القرآن، أو من تأويل للصفات، أو من تحريض على أولياء الأمور، أو غيره. قالوا: " هذه أخطاءٌ بسيطةٌ، لا تمنعُ من قراءتها واستماعها "، مع أن في كتب علمائنا - سلفًا وخلفًا - الغنية عنها وهكذا يضللون كل من سمعهم: {لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ} [ النحل ].
ألم يعلموا أن من سلفنا الصالح من هجر من قال ببدعةٍ واحدة، أو أوَّلَ صفةً واحدةً فقط ؟.
فهذا عبدُ الوهاب بنُ عبدِ الحكم الوراق، وهو من أصحاب أحمد - رحمهم الله - يسئل عن أبي ثور فقال: (ما أدين فيه إلا بقول أحمد بن حنبل: " يُهجرُ أبو ثور، ومَن قال بقوله ").
وذلك لأنه أول حديث الصورة، وخالف قول السلف فيها.
فكيف بمن لا تجمع أخطاءه ولا تحصيها إلا الكتبُ ؟؟!
ومع ذلك تسمعُ بعضَهم يقولُ: أخطاءٌ بسيطة لا تمنعُ من قراءتِها !!.
فلا حول ولا قوة إلا بالله. ]
(4) [ قال ابن أبي رندقه الطرطوشي في كتابه " كتاب الحوادث والبدع " ص: 14: (اعلم أن علماءنا - رضي الله عنهم - قالوا: أصول البدع أربعة، وسائر الأصناف الاثنتين وسبعين فرقة من هؤلاء تفرقوا وتشعبوا، وهم: " الخوارج " وهي أول فرقة خرجت على علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، و " الروافض "، و " القدرية "، و " المرجئة "). ]



__________________________



  إنتشار الفرق وتنوعها ومخالفة أهل السنة والجماعة لهم 

وتفرَّقت بعدها فِرَقٌ كثيرةٌ لا يحصيها إلا الله، وصُنِّفتْ في هذا كتبٌ، منها :

1 - كتاب: " الفَرْق بين الفِرَق " للبغدادي.
2 - كتاب: " المِلل والنِّحَل " لمحمّد بن عبد الكريم الشهرستاني.
3 - كتاب: " الفِصَل في المِلل والنِّحَل " لابن حزم.
4 - كتاب: " مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين " لأبي الحسن الأشعري.

كُلُّ هذه الكتب في بيان الفِرَقِ، وتنوّعِها، وتعدادِها، واختلافِها، وتطوراتِها.

ولا تزالُ إلى عصرنا هذا تتطوّر، وتزيدُ، وينشأُ عنها مذاهبُ أخرى، وتنشَقُّ عنها أفكارٌ جديدةٌ منبثقةٌ عن أصلِ الفكرة،

 ولم يبقَ على الحقِّ إلا أهلُ السنّة والجماعة، في كُلِّ زمانٍ ومكان هم على الحق إلى أن تقومَ الساعةُ، كما قال صلى الله عليه وسلم: (لا تزالُ طائفةٌ من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرُّهم من خذَلهم حتى يأتي أمرُ الله وهم كذلك)(1)(2).

أهلُ السنّة والجماعة - والحمدُ للهِ - يخالفون " القدرية النفاة ": 
فيؤمنون بالقدر، وأنَّه من أركان الإيمان الستة، وأنه لا يحصُلُ في هذا الكونِ شيءٌ إلا بقضائه وقدره - سبحانه وتعالى -، لأنَّه الخلاَّق، الربُّ، المالَكُ، المتصرفُ :
 {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ. لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}. [ سورة الزمر  62 _ 63 ]
لا أحدَ يتصرَّفُ في هذا الكونِ إلا بمشيئتِه - سبحانه -، وإرادتِه، وقدرتِه، وتقديرِه.

عَلِمَ الله ما كان، وما سيكون في الأزَلِ، ثم كتبه في اللوحِ المحفوظِ، ثم شاءَه وأوجدَه وخلقَه - سبحانه وتعالى -.

وأنَّ للعبد مشيئةً، وكسبًا، واختيارًا، لا أنَّه مسلوبُ الإرادَةِ، مُجْبَرٌ على أفعالهِ - كما تقول " الجبرية الغُلاة " -؛ فهم يخالفونهم.

ومذهبُهم في صحابة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: أنَّهم يوالونَهم كلَّهم، أهلَ البيت وغيرَ أهل البيت، يوالون الصحابة كلهم، المهاجرين، والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، ويمتثلونَ بذلك قولَهُ - تعالى -:
 {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا}. [ سورة الحشر، الآية: 10 ]

فهم يخالفون " الشيعة "، لأنَّهم يفرِّقون بينَ أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فيوالون بعضهم، ويعادون بعضهم. فأهلُ السنّة يوالونهم جميعًا، ويحبونهم جميعًا، والصحابةُ يتفاضلون، وأفضلُهم: الخلفاءُ الراشدون، ثم بقيّة العشرة، ثم المهاجرون أفضلُ من الأنصارِ، وأصحابُ بدرٍ لهم فضيلةٌ، وأصحابُ بيعةِ الرضوانِ لهم فضيلةٌ، فلهم فضائلُ - رضي الله عنهم -.

ويعتقدون: السمعَ والطاعةَ - خلافًا " للخوارجِ " -؛ فهم يعتقدون السمعَ والطاعةَ لولاةِ أمورِ المسلمين، ولا يرونَ الخروجَ على إمامِ المسلمين، وإنْ حصَلَ منه خطأ، ما دامَ هذا الخطأُ دون الكفر، ودون الشرك، حيث نهى صلى الله عليه وسلم عن الخروجِ عليهم لمجرَّدِ المعاصي، وقال: (إلا أن تروا كفرًا بواحًا، عندَكم فيه من الله برهان)(3).

وكذلك هم يخالفون " الجهمية " ومشتقاتهم في أسماء الله وصفاته: فيؤمنونَ بما وصفَ الله به نفسَهُ، وما وصَفَهُ به رسولُه صلى الله عليه وسلم، ويتَّبعون في ذلك الكتابَ والسنَّة، من غير تشبيهٍ ولا تمثيل، من غير تحريفٍ ولا تعطيل، على حَدِّ قوله - سبحانه وتعالى -: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}. [ سورة الشورى الآية 11 ]

فمذهبُ أهلِ السنّةِ والجماعةِ - وللهِ الحمدِ - جامعٌ للحقِّ كُلِّه، في جميعِ الأبوابِ، وفي جميعِ المسائل، ومخالفٌ لكُلِّ ما عليه الفِرَقُ الضالةُ والنِّحَلُ الباطلة.

فمن أراد النجاةَ فهذا مذهبُ أهلِ السنّةِ والجماعة.

وأهلُ السنّةِ والجماعةِ في بابِ العبادةِ: يعبدونَ الله على مقتضَى ما جاءَتْ به الشريعةُ، خلافًا " للصوفيةِ " و " المبتدعةِ " و " الخرافيين "، الذين لا يتقَّيدونَ في عبادتِهم بالكتابِ والسنّةِ، بل يتبعون في ذلك ما رَسَمَهُ لهم شيوخُ الطُرقِ، وأئمةُ الضلال.

نسألُ الله أنْ يجعلني وإياكم من أهلِ السنّةِ والجماعةِ؛ بمَنَّهِ وكرَمِهِ، وأن يرينا الحقَّ حقًّا ويرزقنا اتباعَهُ، وأنْ يرينا الباطلَ باطلاً ويرزقَنا اجتنابَهُ. إنه سميعٌ مجيب.

هذا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
___________

(1) مسلم الإمارة (1920) ، والترمذي الفتن (2229) ، أبو داوود الفتن والملاحم ( 4252 ) ، ابن ماجه الفتن ( 3952 ) ، أحمد ( 5/ 279 ) 

(2) [ سبق تخريجه ص: (21). ]

(3) [ جزءٌ من حديثِ عبادة بن الصامت، ولفظه: (دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه، فكان فيما أخذ علينا، أن بايعنا على السمع والطاعة، في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأَثَرَةٍ علينا، وأن لا نُنَازع الأمر أهله - قال: - إلا أن تروا كفرًا بواحًا، عندكم من الله فيه برهان).
رواه البخاري: (7056)، ومسلم: (3/1470) (42). ]



__________________________



               الأسئلة

وسئل الشيخُ - حفظه الله - بعد المحاضرةِ عدَّةَ أسئلة، منها :

   السؤال الأول : أسباب الغلو في الدين 

لقد نهَى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عن الغُلو في الدين؛ فهل سببُ انحرافِ الفِرَقِ عن أهلِ السنّةِ والجماعةِ الغُلو ؟. وما أمثلةُ ذلك من الفِرَق ؟.

الجواب :

" الخوراجُ " ظاهرٌ أن سببَ انحرافِهم الغُلو في الدين؛ لأنَّهم تشدَّدُوا في العبادةِ على غيرِ هُدى وبصيرة، وأطلقوا على الناسِ الكُفْرَ عن غيرِ بصيرة، لأنَّهم يخالفونهم في مذهبهم.

فلا شك أن الغلو في الدين هو أساس البلاء، قال - تعالى - :
 {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ}. [ سورة المائدة، الآية: 77 ]
قال صلى الله عليه وسلم: " إياكم والغلو؛ فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو "(1). 

والغلو في كل شيء هو: الزيادة عن الحد المطلوب (وكل شيء تجاوز حده انقلب إلى ضده).

ونجد أن " المعطلة للصفات " سبب انحرافهم الغلو في التنزيه، وسبب انحراف " الممثلة والمشبهة " غلوهم في الإثبات.

فالغلو بلاء، والوسط والاعتدال هو الخير في كل الأمور.

فلا شك أن للغلو دورًا في ضلال الفرق عن الحق، كل غلوه بحسبه.
___________
(1) [ أخرجه أحمد: (1/215، 347)، والنسائي: (5/268 - 269)، وابن ماجة: (3029)، وابن أبي عاصم: (98)، وابن خزيمة: (4/274)، وابن الجارود في " المنتقى ": (473)، وابن حبان: (1011)، والطبراني في " الكبير ": (12747)، والحاكم: (1/466)، والبيهقي: (5/127)، وأبو يعلى الموصلي: (4/316، 357) من حديث ابن عباس - رضي الله عنه -. ]


__________________________


      السؤال الثاني : افتراق الأمة علي ثلاث وسبعين فرقة  

فضيلة الشيخ: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة) (1) (2)
فهل العدد محصور أو لا ؟.

الجواب :

ليس هذا من باب الحصر؛ لأن الفرق كثيرة جدًا، إذا طالعتم في كتب الفرق وجدتم أنهم فرق كثيرة، لكن - والله أعلم - ان هذه الثلاث والسبعين هي أصول الفرق، ثم تشعبت منها فرق كثيرة.

وما الجماعات المعاصرة الآن، المخالفة لجماعة أهل السنة؛ إلا امتداد لهذه الفرق، وفروع عنها.
__________
(1) الترمذي الإيمان ( 2640 ) ، أبو داوود السنة ( 4596 ) ، ابن ماجه الفتن (3991 ) ، أحمد ( 2/ 332 ) .
(2) [ سبق تخريجه ص: (14). ]


__________________________


      السؤال الثالث : فرق بين الفرق الناجية والطائفة المنصورة

هل هناك فرق بين " الفرق الناجية " و " الطائفة المنصورة " ؟.

الجواب :

أبدًا، " الفرقة الناجية " هي " المنصورة ". لا تكونُ " ناجيةً " إلا إذا كانت " منصورةً "، ولا تكون " منصورةً " إلا إذا كانتْ " ناجيةً "، هذه أوصافُهم: " أهلُ السنةِ والجماعة "، " الفرقة الناجية "، " الطائفة المنصورة ".

ومن أراد أن يفرق بين هذه الصفات، ويجعل هذه لبعضهم وهذه لبعضهم الآخر؛ فهو يريد أن يفرق أهل السنة والجماعة، فيجعل بعضهم فرقة ناجية، وبعضهم طائفة منصورة.

وهذا خطأ؛ لأنهم جماعة واحدة، تجتمع فيها كل صفات الكمال والمدح، فهم " أهل السنة والجماعة "، وهم " الفرقة الناجية "، وهم " الطائفة المنصورة "، وهم " الباقون على الحق إلى قيام الساعة "، وهم " الغرباء في آخر الزمان ".


________________________
لمحة عن الفرق الضالة 
محاضرة ألقاها الشيخ: صالح الفوزان بمدينة الطائف، يوم الاثنين، الموافق: 3/3/1415 هـ في مسجد الملك فهد بالطائف
إعداد المكتبة الشاملة مع التعديل


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة