اعْلَمْ أَنَّ نَوَاقِضَ الإسْلاَمِ عَشَرَةُ نَوَاقِضْ : الأوَلُ: الْشِرْكُ فِي عِبَادَةِ اللهِ
......
[المتن]
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
بسم الله الرحمن الرحيم.
اعْلَمْ أَنَّ نَوَاقِضَ الإسْلاَمِ عَشَرَةُ نَوَاقِضْ :
الأوَلُ: الْشِرْكُ فِي عِبَادَةِ اللهِ –تَعَالَى-؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ }(1)، وَقَالَ: { إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72 )}(2).
وَمِنْهُ: الذَّبْحُ لِغَيْرِ اللهِ؛ كَمَنْ يَذْبَحُ لِلجِّنِّ أَوْ للْقَبْرِ.
[الشرح]
هذه النواقض العشرة استنبطها أهل العلم بالاستقراء، شأنها شأن كثير من التقسيمات التي ترونها في كتب العقيدة وكذا الحال في كتب الفقه وغير ذلك؛ يعني لو اعترض معترض قال: كيف يحدد النواقض أنها عشرة؟ وهذه أمهات المسائل؛ وإلا قد يكون تحت كل ناقض نواقض أخرى تندرج تحت هذه النواقض العشرة، فتحديدها بالعشرة إنما هو ثابت بالاستقراء؛ باستقراء كتاب الله -عز وجل- وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
أولها وأعظمها وأخطرها: هو الإشراك بالله؛ لأن أحد ركني الإيمان هو الإخلاص لله -عز وجل-، فمن أشرك بالله فقدْ فقَدَ ماذا؟ فقد الإخلاص؛ بل فقد التوحيد بالكلية والتوحيد يضاده الشرك؛ ولذلك فإنه لا يصح توحيد العبد إلا بولاء وبراء، إلا بتحقيق النفي والإثبات وهو معنى لا إله إلا الله؛ [ لا إله ]: نفي لكل ما يعبد من دون الله، و [ إلا الله ]: إثبات للعبادة لله وحده لا شريك له؛ ولذلك يقول الله -عز وجل-: { قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ }(3).
فالإشراك بالله أعظم ذنبٍ عُصِيَ به الله -عزَّ وجل-، كيف لا وهو صرف حق الله لغيره، أنا أضرب لكم مثلاً -ولله المثل الأعلى-، لو أن إنسانًا جاء إلى مالك؛ نقود أو مثلاً مواشي أو نحو ذلك؛ فأخذها وأعطاها لزيد من الناس بغيا وعدوانًا، ما يكون حالك؟ ألا تثأر لحقك الذي سُلِبَ منك قهرًا؟ والله –تعالى- لا يُعصى قهرًا؛ لكن الله –عزَّ وجل- قد بيَّن الطريق السوي للناس: { فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ }(4)، فصرف حق الله لغيره هو أعظم ذنب عُصِيَ به الله -عز وجل-.
قال الله -تبارك وتعالى-: { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ }(5).
وقال -تبارك وتعالى-: { وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ }(6) .
وقال -جلَّ وعلا-: { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ }(7).
وقال تعالى: { إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ }(8).
والشرك له مظاهر شتى، وعلى رأسها ما يقع فيه كثير ممن يدعي الإسلام في هذه الأزمنة؛ من تعلق بأصحاب القبور، وسؤالهم قضاء الحاجات وكشف الكربات وإزالة الملمات، تجده يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويصوم رمضان ويحج البيت ويأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر ويصل الرحم ويبر الوالدين ويفعل كل شيء؛ ثم يأتي ويقضي على ذلك كله بكلمة واحدة؛ يأتي عند صاحب القبر ويقول: مدد يا فلان؛ انتهى كل شيء. شيلله يا فلان؛ يعني أعطني شيئًا لله يا فلان؛ مسح كل شيء؛ كما يقول المشركون القدامى: [ لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك؛ إلا شريكًا هو لك تملك وما ملك ].
ومن أخص وأخطر أنواع الشرك؛ الشرك في الدعاء، وهو ما نشاهده الآن عند القبوريين فتجده إذا ألمَّت به ملمة يتوجه إلى غير الله -عزَّ وجل-، ففي أحلك الظروف يقول: مدد يا فلان، وقد اتفق لي أنني كنت في إحدى البلاد الإسلامية فجنحت السيارة التي نركبها إلى اليمين بسبب انفجار إطارها، ولم نسمع من الركاب عندما كادت السيارة أن تنقلب؛ إلا: يا شيخ فلان! يا شيخ عبد القادر! يا شيخ مرغني! يا شيخ تيجاني! يا شيخ فلان! وهم من المنتسبين إلى الإسلام، فنسوا ربهم والحال هذه ،وهم في أحلك الظروف؛ لذلك فإنهم أشد شركًا من المشركين الأولين.
فالدعاء خطير، في غاية الخطورة؛ ولذلك يقول الله -جل وعلا-: { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ }(9).
ومن ذلك: الذبح؛ فتجد بعض المنتسبين إلى الإسلام في بعض البلاد الإسلامية -ما عدا هذه البلاد التي منَّ الله عليها بهذه الدعوة المباركة، دعوة صاحب هذا الكتاب وإلا والله لنكونن مثلهم أو أشد؛ من عبادة القبور، فقد قُضِيَ على تلك العبادات منذ أكثر أو نحو ثلاثة قرون ولله الحمد والمنة؛ فسوِّيت القباب بالأرض، وسويت القبور بالأرض، ولم يتعلق بها من دون الله -جل وعلا-، فتجده يربي العجل أو الخروف؛ حتى يصبح ما شاء الله تبارك الله كبيرًا، ثم يأتي به ويذبحه على أعتاب قبر ذلكم الولي الذي يعبده من دون الله؛ بل تجده يخافه أكثر مما يخاف الله -عز وجل-.
وقد ذكر لي أحد الإخوة ممن منَّ الله عليهم بالتوحيد، وكان ممن يقع في هذه الشركيات؛ يقول: إن في بلادنا أمرًا عجيبًا؛ يقول: إن السارق أو المتهم بأي تهمة يأتون به في المحاكم فيقسم الأيمان المغلظة أنه لم يسرق ولم يرتكب هذه الجريمة، فإذا أرادوا منه أن يعترف فعلاً؛ أتوا به في مقصورة قبر ذلكم الشيخ أو الطاغوت الذي يتعلق به من دون الله؛ فقالوا: الآن تقسم بالشيخ أنك لم تسرق. وهنا ماذا يحصل؟ يعترف! يعترف، لماذا؟
هناك مسألة في التوحيد إسمها إيش؟ خوف السر: وهو أنه يخاف هذا الولي أكثر مما يخاف الله -جل وعلا-، بأغلوطة شيطانية ألقاها الشيطان في روعه؛ وهي: أنه يقول إن الله غفور رحيم فلو حلفت به ألف مرة أستغفره فيغفر لي، أما الشيخ فلان؛ الولي فلان لا يغفر ينتقم فورًا -نسأل الله العافية والسلامة-.
الشرك الآن منتشر وهو أعظم المنكرات، والعجب من كلاب النار الخوارج أنهم يدعون أنهم يعترضون على المنكرات وينكرون المنكرات، ولاشك أن المنكرات يجب أن تنكر بالطرق الشرعية التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لكنهم لا ينكرون على أحد ذلكم الشرك الأكبر؛ فتجد أسيادهم الذين علموهم هذه الفتاوى الضالة يؤيدون الطواف بالقبور والذبح لها [لأهلها]، والنذر لأهلها، فلا يحركون ساكنًا، بينما يجندونهم وكأنهم ليس لهم عدو على وجه الأرض إلا هذه البلاد: المملكة العربية السعودية، الذي حماها الله –تعالى- وحفظها بحمايتها للتوحيد ولحمى التوحيد، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
فالشرك أعظم ذنب عُصِيَ به الله، وهو أخفى فينا من دبيب النمل في الليلة المظلمة على صفاة سوداء، فلنحذر من الشرك، لاسيما وأنه منتشر منذ القرن الرابع الهجري، وهو منتشر في الأمة يزيد يومًا بعد يوم، فتجد في كثير من بلاد المسلمين قبابًا تُعبد، وقبورًا تُشيَّد، ويُنذر لأهلها، ويُذبح لهم من دون الله، ويُقسم بهم الأيمان المغلظة عند الشدائد وعند الملمات؛ ولذلك فإنه يجب أن نعرف الشرك لأمور:
الأمر الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه سيقع في هذه الأمة؛ من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى))(10)، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تقوم الساعة حتى ترى نساء دوس تضطرب إلياتهن عند ذي الخلصة ))(11). وقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تقوم الساعة حتى تعبد فئام من أمتي الأوثان وتلحق فئام من أمتي بالمشركين ))(12). والأحاديث في هذا الباب كثيرة.
والأمر الثاني: أن المسلم مطالب بمعرفة الشر ليجتنبه، لا نعني بمعرفته؛ تعلمه وتعليمه؛ وإنما معرفة مضادته للتوحيد، ومعرفة المعاني التي من أجلها عُلِمَ أنه يُضاد التوحيد؛ يقول حذيفة -رضي الله عنه-: (( كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني))(13).
وثالثًا: الواقع الذي يُشاهد في كثير من بلاد المسلمين؛ من الوقوع في الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله لمن مات عليه؛ بل إنك قد تسمع الشرك أحيانًا من بعض الوافدين أمام قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم، أو عند زيارتك لقبور المسلمين في بقيع الغرقد، أو عند شهداء أحد أو نحو ذلك؛ فهناك من يطلب المدد، وهناك من يطلب الغوث، وهناك من يطلب الولد، وهناك من يطلب التوفيق والنجاح من غير الله -تبارك وتعالى- يظن أن أصحاب القبور يملكون ذلك، وهم لا يملكون ذلك؛ حتى ولو كانوا أنبياء أو رسلاً أو ملائكة أو نحو ذلك، من هنا فإن هذا هو أعظم ناقض من نواقض الإسلام، فلنحذر منه ولنبتعد عنه؛ وهو نوعان: أكبر وأصغر.
الأكبر: صاحبه خالد مخلد في النار، وخارج من ملة الإسلام.
أما الأصغر: فإنه قد يجر إلى الأكبر؛ كقول الرجل أو المرء: ما شاء الله و شئت أو وشاء فلان، أو لولا الله وفلان، وكيسير الرياء؛ أما إذا تحول العمل كله إلى رياء؛ فهو شرك أكبر، وكالحلف بغير الله؛ إن لم يعتقد أن المحلوف به قادر على ما لم يقدر عليه إلا الله -سبحانه وتعالى-، فإن اعتقد أن المحلوف به يتصرف مع الله، أو يقدر على ما لا يقدر عليه إلا الله؛ فإنه شرك أكبر، أما إن جرى على لسانه تبعًا لعادة الآباء والأجداد، ولا يعتقد في ذلك؛ فإنه شرك أصغر. هذا هو أعظم ناقض للدين؛ لأنه لا يتفق مع معنى لا إله إلا الله. ولذلك يقول الله -جل وعلا-: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(14). نعم .
____________
(1) [النساء: 48].
(2) [المائدة: 72].
(3) [الأنعام: 162- 163].
(4) [الكهف: 29].
(5) [النساء: 48].
(6) [الحج: 31].
(7) [الأحقاف: 5- 6].
(8) [المائدة: 72].
(9) [الأحقاف: 5- 6].
(10) تحقيق الألباني : (صحيح) انظر حديث رقم: 7683 في صحيح الجامع.
(11) [متفق عليه].
(12) تحقيق الألباني : (صحيح) انظر حديث رقم: 1773 في صحيح الجامع.
(13)[متفق عليه].
(14) [البقرة: 256].
__________________________
تعليقات
إرسال تعليق