الحديث السابع عشر

الحديث السابع عشر
عن أبي يعلى شدَّاد بن أوس رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الله كتب الإحسانَ على كلِّ شيء، فإذا قتلتُم فأحسنوا القِتْلَة، وإذا ذبحتُم فأحسنوا الذِّبْحة، وليحدَّ أحدُكم شفرَتَه، وليُرح ذبيحتَه
رواه مسلم.




   


1 قوله: "إنَّ الله كتب الإحسانَ على كلِّ شيء"، الإحسانُ ضدُّ الإساءة، وكتب بمعنى شرع وأوجب، فالكتابة دينية شرعيَّة، والإحسان فيها يكون عامًّا للإنسان والحيوان.

2 ثمَّ أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بإحسان القِتلة والذِّبحة، وإحداد الشفرة وإراحة الذبيحة، وهذا مثال من أمثلة إيقاع الإحسان عند قتل الإنسان المستحقِّ للقتل وذبح الحيوان، وذلك بسلوك أسهل الطرق التي يكون بها إزهاق النفس من غير تعذيب.

3 قال ابن رجب في جامع العلوم الحكم (1/381 382) : "وهذا الحديث يدلُّ على وجوب الإحسان في كلِّ شيء من الأعمال، لكن إحسان كلِّ شيء بحسبه، فالإحسانُ في الإتيان بالواجبات الظاهرة والباطنة الإتيانُ بها على وجه كمال واجباتها، فهذا القدر من الإحسان فيها واجب، وأمَّا الإحسان فيها بإكمال مستحبَّاتها فليس بواجب، والإحسانُ في ترك المحرَّمات، الانتهاءُ عنها وتركُ ظاهرها وباطنها، كما قال تعالى: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الْأِثْمِ وَبَاطِنَهُ} ، فهذا القدرُ من الإحسان فيها واجبٌ، وأمَّا الإحسانُ في الصبر على المقدورات، فأن يأتي بالصبر عليها على وجهه، من غير تَسَخُّط ولا جَزَعٍ، والإحسانُ الواجب في معاملة الخَلق ومعاشرتهم، القيامُ بما أوجب الله من حقوق ذلك كلِّه، والإحسان الواجب في ولاية الخَلق وسياستهم، القيامُ بواجبات الولاية كلِّها، والقدرُ الزائد على الواجب في ذلك كلِّه إحسانٌ ليس بواجب، والإحسان في قتل ما يَجوز قتله من الناس والدَّواب، إزهاقُ نفسه على أسرع الوجوه وأسهلِها وأوحاها يعني أسرعها من غير زيادة في التعذيب، فإنَّه إيلامٌ لا حاجة إليه، وهذا النوعُ هو الذي ذكره النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، ولعلَّه ذكَره على سبيل المثال، أو لحاجته إلى بيانه في تلك الحال، فقال: "إذا قتلتم فأحسنوا القِتْلة، وإذا ذبَحتم فأحسنوا الذِّبحة"، والقِتلةُ والذِّبحة بالكسر، أي: الهيئة، والمعنى: أحسنوا هَيئة الذَّبح وهيئةَ القتل، وهذا يدلُّ على وجوب الإسراعِ في إزهاق النفوس التي يُباح إزهاقُها على أسهل الوجوه".

4 الإحسانُ في القتل مطلوب بدون تعذيب أو تمثيل، سواء كان في قتال الكفار أو القتل قصاصاً أو حدًّا، إلاَّ أنَّه عند القتل قصاصاً يُفعل بالقاتل كما فَعَلَ بالمقتول، كما جاء عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في قتل اليهوديِّ الذي رضَّ رأس جارية بين حَجرين، رواه البخاري (2413) ، ومسلم (1672) ، وكما جاء في قصة العُرنيِّين، رواه البخاري (6802) ، ومسلم (1671) ، وأمَّا ما جاء في حدِّ الزاني المُحصَن، وهو الرَّجم، فهو إمَّا مستثنَى من عموم هذا الحديث، أو محمول على أنَّ الإحسانَ يكون في موافقة الشرع، ورجم المحصَن منه.

5 مِمَّا يُستفاد من الحديث:
1 وجوب الإحسان في كلِّ شيء.
2 وجوب الإحسان عند القتل بسلوك أيسر سبيل لإزهاق النفس.
3 وجوب الإحسان عند ذبح الحيوان كذلك.
4 تفقد آلة الذَّبح قبل مباشرته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "وليُحدِّ أحدُكم شفرته، وليُرح ذبيحَتَه".
___________________
فتح القوي المتين
في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب رحمهما الله
تأليف العلامة
عبد المحسن بن حمد العباد البدر

- حفظه الله -
المكتبة الشاملة 
________________________
التعريف براوي الحديث 
شداد بن أوس بن ثابت
ابن المنذر بن حرام، أبو يعلى الأنصاري الخزرجي، صحابي جليل، وهو ابن أخي حسان بن ثابت.
وحكى ابن منده: عن موسى بن عقبة أنه قال: شهد بدرا.
قال ابن منده: وهو وهم، وكان من الاجتهاد في العبادة على جانب عظيم، كان إذا أخذ مضجعه تعلق على فراشه ويتقلب عليه ويتلوى كما تتلوى الحية ويقول: اللهم إن خوف النار قد أقلقني، ثم يقوم إلى صلاته.
قال عبادة بن الصامت: كان شداد من الذين أوتوا العلم والحلم.
نزل شداد فلسطين وبيت المقدس، ومات في هذه السنة عن خمس وسبعين سنة.
وقيل: مات سنة أربع وستين.
وقيل: سنة إحدى وأربعين، فالله أعلم.
البداية والنهاية > الجزء الثامن ]



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة