فصل في منشئه ﷺ ومرباه وكفاية الله له وحياطته وكيف كان يتيما فآواه وعائلا فأغناه ... شهوده ﷺ حلف الفضول

فصل
في منشئه ﷺ ومرباه وكفاية الله له وحياطته وكيف كان يتيما فآواه وعائلا فأغناه

قال جابر بن عبد الله:
لما بنيت الكعبة ذهب رسول الله ﷺ ينقل الحجارة فقال العباس لرسول الله ﷺ: اجعل إزارك على عاتقك من الحجارة. ففعل فخر إلى الأرض وطمحت عيناه إلى السماء ثم قام فقال: (إزاري). فشد عليه إزاره
أخرجاه في (الصحيحين)


وروى البيهقي عن زيد بن حارثة قال:
كان صنم من نحاس - يقال له: (إساف) و(نائلة) - يتمسح به المشركون إذا طافوا فطاف رسول الله ﷺ وطفت معه فلما مررت مسحت به فقال رسول الله ﷺ: (لا تمسه). قال زيد: فطفنا فقلت في نفسي: لأمسنه حتى أنظر ما يكون. فمسحته فقال رسول الله ﷺ: (ألم تنه؟). زاد غيره: قال زيد: فوالذي أكرمه وأنزل عليه الكتاب ما استلم صنما قط حتى أكرمه الله تعالى بالذي أكرمه وأنزل عليه)
[٣٢]

وثبت في الحديث أنه كان لا يقف بالمزدلفة ليلة عرفة بل كان يقف مع الناس بـ(عرفات) كما قال محمد بن إسحاق… عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه جبير قال:
لقد رأيت رسول الله ﷺ وهو على دين قومه وهو يقف على بعير له بـ(عرفات) من بين قومه حتى يدفع معهم توفيقا من الله عز وجل له

قال البيهقي: معنى قوله: (على دين قومه): ما كان بقي من إرث إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ولم يشرك بالله قط صلوات الله وسلامه عليه دائما أبدا

قلت: ويفهم من قوله هذا أيضا أنه كان يقف بـ(عرفات) قبل أن يوحى إليه وهذا توفيق من الله له
ورواه الإمام أحمد والطبراني (١٥٧٧) عن محمد بن إسحاق ولفظه:
رأيت رسول الله ﷺ - قبل أن ينزل عليه - وإنه لواقف على بعير له مع الناس
[٣٣]

بـ(عرفات) حتى يدفع معهم توفيقا من الله
وله شاهد من حديث ربيعة بن عباد رواه الطبراني (٤٥٩٢)
ورواه الإمام أحمد من طريق أخرى عن جبير بن مطعم قال:
أضللت بعيرا لي بـ(عرنة) فذهبت أطلبه فإذا النبي ﷺ واقف فقلت: إن هذا من (الحمس) ما شأنه ها هنا؟
وأخرجاه
[المستدرك]


وعن سالم بن عبد الله أنه سمع ابن عمر يحدث عن رسول الله ﷺ:
أنه لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل (بلدح) وذلك قبل أن ينزل على رسول الله ﷺ الوحي فقدم إليه رسول الله ﷺ سفرة فيها لحم فأبى أن يأكل منه وقال: إني لا آكل مما تذبحون على أنصابكم ولا آكل مما لم يذكر اسم الله عليه
أخرجه أحمد (٢ / ٨٩) وإسناده صحيح على شرط الشيخين وانظر: (السيرة) للذهبي (ص ٤٤)

وله شاهد من حديث سعيد بن زيد أتم منه
أخرجه الطبراني في (الكبير) (٣٥٠) وعنه الذهبي (ص ٤٦)
وفي رواية: عن زيد بن حارثة عند الطبراني (٤٦٦٣ و٤٦٦٤) والحاكم (٣ / ٢١٦ - ٢١٧) وانظر: (مجمع الزوائد) (٩ / ٤١٨). [انتهى المستدرك]
[٣٤]


شهوده ﷺ حلف الفضول
روى الحافظ البيهقي بسنده عن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله ﷺ:
(شهدت مع عمومتي حلف المطيبين فما أحب أن أنكثه - أو كلمة نحوها - وأن لي حمر النعم)

ثم روى البيهقي عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ:
(ما شهدت حلفا لقريش إلا حلف المطيبين وما أحب أن لي حمر النعم وأني كنت نقضته)

قال: و(المطيبون): هاشم وأمية وزهرة ومخزوم

قال البيهقي: كذا روي هذا التفسير مدرجا في الحديث ولا أدري قائله. وزعم بعض أهل السير أنه أراد حلف الفضول فإن النبي ﷺ لم يدرك حلف المطيبين 

قلت: هذا لا شك فيه وذلك أن قريشا تحالفوا بعد موت قصي وتنازعوا في الذي كان جعله قصي لابنه عبد الدار من السقاية والرفادة واللواء
[٣٥]

والندوة والحجابة ونازعهم فيه بنو عبد مناف وقامت مع كل طائفة قبائل من قريش وتحالفوا على النصرة لحزبهم فأحضر أصحاب بني عبد مناف جفنة فيها طيب فوضعوا أيديهم فيها وتحالفوا فلما قاموا مسحوا أيديهم بأركان البيت فسموا المطيبين كما تقدم وكان هذا قديما
ولكن المراد بهذا الحلف حلف الفضول وكان في دار عبد الله بن جدعان كما رواه الحميدي وابن إسحاق
وكان حلف الفضول أكرم حلف سمع به وأشرفه في العرب

روى ابن إسحاق عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي:
أنه كان بين الحسين بن علي بن أبي طالب وبين الوليد بن عتبة بن أبي سفيان - والوليد يومئذ أمير المدينة أمره عليها عمه معاوية بن أبي سفيان - منازعة في مال كان بينهما بـ(ذي المروة) فكأن الوليد تحامل على الحسين في حقه لسلطانه فقال له الحسين: أحلف بالله لتنصفني من حقي أو لآخذن سيفي ثم لأقومن في مسجد رسول الله ﷺ ثم لأدعون بحلف الفضول
قال: فقال عبد الله بن الزبير - وهو عند الوليد حين قال له الحسين ما قال -: وأنا
[٣٦]

أحلف بالله لئن دعا به لآخذن سيفي ثم لأقومن معه حتى ينصف من حقه أو نموت جميعا. قال:
وبلغت المسور بن مخرمة بن نوفل الزهري فقال مثل ذلك
وبلغت عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله التيمي فقال مثل ذلك
فلما بلغ ذلك الوليد بن عتبة أنصف الحسين من حقه حتى رضي 
[٣٧]
________________
صحيح السيرة النبوية

ما صح من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر أيامه وغزواته وسراياه والوفود إليه
بقلم
محمد ناصر الدين الألباني
(رحمه الله تعالى)
الطبعة الأولى
المكتبة الإسلامية
عمان - الأردن




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة